قصة مالك بن دينار

هو الجيل الذي حمل راية الإسلام بعد الصحابة، وهم فئة من الناس لم تعاصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، عاصروا جيل الصحابة ونهلوا من علم الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-،وقد أدى التابعون الأمانة بكلِّ إخلاص، وحموا الشريعة الإسلاميَّة من أيِّ تحريفٍ يمكن أن يدخل إليها من كثرة المقبلين على الإسلام، فكان لهم بذلك فضلٌ على كلِّ المسلمين حتى قيام الساعةِ، حافظوا على القرآن الكريم والسيرة النبويَّة ونقلوا الحديث الشريف والتفسير، وأسسوا للفقه، كثر أعدادهم وكثرة قصصهم المليئة بالعطاء والهمة والجهد والتوبة الصادقة، وسيتحدث هذا المقال عن التابعي الثقة مالك بن دينار. [١] التابعي الثقة مالك بن دينار هو العالم الجليل، والتابعي الفقيه أبو يحيى مالك بن دينار البصريّ، عاصر عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- كان زاهدًا في الدنيا حتى ضُرب به المثل في الزهد والعفاف، لم يأكل يومًا إلا من عمل يده، وقد عاش حياته في سبيل الحقِّ ومعرفة الله وقد روي عنه أنَّه قال: "خرج أهل الدنيا من الدنيا، ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قالوا: وما هو يا أبا يحيى؟ قال: معرفة الله تعالى"، وكان له علاقةٌ خاصةٌ بالقرآن الكريم فهو من أعيان كتبة المصاحف، كان يكتب المصاحف ويتقاضى على ذلك أجرًا زهيدًا أسوةً بالأنبياء، وقد أتصف بالورع وخشية الله وهي من صفات الصدِّيقين، وكانت مواعظه الأكثر تأثيرًا في قلوب الناس، وقد توفي العارف بالله ابن دينار وهو يدعو الله أن يقيه نار جهنم حيث كان يردد في لحظاته الأخيرة: "يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرّم شيبة مالك بن دينار على النار". [٢] قصة مالك بن دينار مالك بن دينار العالم الفقيه الورع الزاهد لم تكن بداية حياته على هذا الحال، بل كان وذلك بحسب ما روى عن نفسه -رحمه الله- سكيرًا عاصيًا، ظالمًا للناس، لا يوجد منكرًا أو معصيةً إلا وكان له منها نصيب، وفي يوم من الأيام اشتاقت نفسه أن يتزوج، ولكن لشدة سوء سمعته بين الناس لم يقبل أحدهم بتزوجيه من ابنته، فاشترى جاريةً وأعتقها وتزوجها، أنجبت له طفلةً جميلةً أسماها فاطمة، أحبَّ ابن دينار ابنته فاطمة حبًّا جمًا، وتعلقت روحه بها، وكلما كبرت فاطمة سنًا كان الإيمان ينير قلب أبيها، وتنحسر فيه ظلمات المعاصي، حتى أن تلك الطفلة البريئة كانت إذا ما شاهدت كأسَ الخمر في يد ابن دينار اقتربت منه وأزاحته، وما إن أتمت فاطمة الثلاثة سنوات حتى ماتت، حزن أبيها عليها حزنًا شديدًا وانقلب أسوأ مما كان عليه في سابق عهده، واستحوذ عليه شيطانه يومًا فقال: " لأسكرنَّ اليوم سكرةً ما سكرتُ مثلها من قبل" ، فشرب وأسرف في الشرب طوال تلك الليلة حتى أُغشي عليه، ورأى رؤيا يقول عنها ابن دينار أنَّه رأى نفسه في يوم الحساب وقد انحسرت الشمس وزلزلت الأرض، وحُشر الناس وسمع منادٍ ينادي على كلِّ إنسان باسمه فلان بن فلان هَلُمَ للعرض على الجبار، وفجأة سمع المنادي ينادي باسمه مالكٌ بن دينار هَلُمَ للعرض على الجبار، فإذ بالناس تذهب من حوله ويبقى وحيدًا في أرض المحشر، فيرى ثعبانًا عظيمًا مرعبًا يلحقه به فيهرب ابن دينار منه، فيرى شيخًا ضعيفًا هزيلًا، يطلب منه العوم على الثعبان، فيقول الشيخ: " يا بني أنا ضعيف لا أستطيع أن أعينك، أذهب بهذا الاتجاه لعلَّك تنجو، فيهرب ابن دينار وإذ به على حافة جهنم، فيقول: أأهرب من الثعبان لأسقط في جهنم؟، فيعود للشيخ الضعيف ليقول له: "بالله عليك أنجدني"، فبكى الرجل لحالي وقال: "اذهب لذلك الجبل ربما تنجو" وعلى ذاك الجبل رأى مجموعة من الأطفال، وإذ بهم ينادون يا فاطمة أدركي أباكِ، فجاءت فاطمة ودفعت الثعبان عن أبيها، ثم جلست في حجره كما كانت تجلس في الدنيا، وقالت: "يا أبتِ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[٣]، فسألها ما هذا الثعبان؟ أجابته هذا عملك السيء أنتَ كبرته حتى كاد أن يُهلكك، وسألها من ذلك الشيخ الضعيف؟ قالت ذاك عملك الصالح أنتَ أضعفته حتى ما عاد يقوى على نجدتك، فاستيقظ ابن دينار من نومه يصرخ قد آن يا رب قد آن يا رب، فاغتسل وذهب ليصلي الفجر في المسجد، وإذا بالحسن البصريّ يصلي بالناس بقوله تعالى: {لم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} الآية نفسها

تعليقات