الإسلام دين الوسطية والاعتدال والعمل للدنيا والآخرة



من المسلم به أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، فهذه الأمة التي فضلها الله عن سائر الأمم جاءت بدين الوسطية والاعتدال لتبلغه للدنيا كلها.
وهذه الوسطية واضحة وضوح الشمس في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالله سبحانه وتعالى يدعو في كتابه الحكيم لإعمار الدنيا كما يدعو للعمل للآخرة، قال تعالى في كتابه الحكيم{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15).
وللحديث عن الوسطية في الإسلام كان لنا هذا الحوار مع الشيخ الدكتور محمد عبد الرحمن إبراهيم خضير، من علماء الأزهر الشريف..

- بداية نريد أن نعرف ما معنى الوسطية؟
الوسطية هي الاعتدال وعدم المغالاة، والعمل للدنيا والآخرة معا، فلا ينسى الإنسان حظه من الدنيا، كما أن عليه أن لا ينسى آخرته التي إليها معاده، وقال صلى الله عليه وسلم (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، وكما أخبرنا صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (ليس بخيركم مَن ترك دنياه لآخرته، ولا مَن ترك آخرته لدنياه ، إلاّ أن يتزوّد منهما معًا فإنّ الأولى مطية للثانية).
وهذه الوسطية في الإسلام تكريم من الله لهذه الأمة التي حملت شريعة الله إلى الناس كافة، لهداية البشرية في ربوع الأرض جميعها، والتي تهدي الناس إلى سبل الرشاد وتشهد على أعمالهم.
قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
ويقول تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
فالوسطية والاعتدال اختيار من الله لهذه الأمة، ومنهج الله فيهم تكريم منه سبحانه وتعالى لهم.
وقال أحد التابعين (أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم يعطها إلا نبي : كان يقال للنبي اذهب فلا حرج عليك ، وقيل لهذه الأمة : وما جعل عليكم في الدين من حرج . والنبي شهيد على أمته ، وقيل لهذه الأمة : لتكونوا شهداء على الناس . ويقال للنبي: سل تعطه ، وقيل لهذه الأمة : ادعوني أستجب لكم).

- لماذا كان الإسلام دين الوسطية والاعتدال، هل يمكن أن نتلمس أسبابا لذلك؟
نعم فالوسطية وسائر السلوكيات منهجا شرعه الله لهذه الأمة، والوسطية موقف معتدل بين التفريط والإفراط، وكلاهما مكروه في الدين.
فالتفريط والتقصير تهاون وسلبية لا تجوز للمؤمن، والذي أقامه الله خليفة له في الأرض، كما أن الإفراط والانشغال عن الواجبات والشكر على نعمة الله سواء دينا أقامه الله للإنسان وشرعه له ليأخذ بيده إلى طريق السادة وفي الدنيا والآخرة.
كما أن الوسطية والاعتدال في أمور الدنيا من مأكل وملبس ومشرب وغيرها من أمور الدنيا، أمرا مطلوبا، وغير ذلك مما يجب أن يقدره ويصونه الإنسان ويحفظ نعمة الله عليه، وقد قيل النعمة إذا شُكرت قرت أي دامت وإذا كفرت فرت أي زالت وذهبت.

- وما الفرق بين التفريط والإفراط؟
الإفراط هو خروج عن حد الاعتدال، وهذا يعني التشدد والتعصب وتدل على انعدام الفكر، كما أن التشدد والتعصب الذي نراه من البعض بعيد عن روح الإسلام وقيم التسامح والتآخي وتحقيق المحبة بين الناس، قال تعالى في كتابه الحكيم { يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}.
وقال صلى الله عليه وسلم (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).

- ما دور الوسطية في إعمار الدنيا وتنميتها والنهوض بالإنسان؟
بالوسطية تعمر الدنيا والآخرة، وتتحقق السلامة في حياة الإنسان، ولذلك جعلها الله منهج حياة للناس في الدنيا والدين، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالوسطية ونهى عن الإسراف وضياع المال، وهي أمور يبغضها الله ويبغض أصحابها، ولذلك قال تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
كما أن هذا الاعتدال ينأى بالإنسان أن يكون محصورا، فالوسطية دليل على رحمة الله بعباده.
والوسطية أيضا رحمة بالعباد في أمور العبادة وأمور الدين فإن تشريعها في الإسلام، جاء حتى لا يصيبهم السأم والملل الذي قد يصيبهم باستصعاب العبادة، وهذه الوسطية في العبادة أكدها المولى عز وجل في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
فرفع الحرج عن هذه الأمة في الدين يحبب الناس في العبادة، ويشعرهم برحمة الله بهم، وتظل صلتهم بالله قائمة، ويظل عطاء الله موصولا، ومددهم لهم ممدودا، ولعلنا ندرك أخيرا من حكمة الوسطية والاعتدال في حياة هذه الأمة أنها الأمة الخاتمة، التي حملت رسالة السماء منذ نزل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

- وما هو دور المسلمين في العمل بالوسطية وهداية الناس؟
الأحرى بهذه الأمة أن تحمل رسالة الإسلام الوسطية إلى الدنيا كلها، وإلى أن تنتهي الحياة، وأن تجتهد هذه الأمة بأن تجعل الوسطية منهجا، قال تعالى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، ولذلك تجد في القرآن الكريم في ختام سورية البقرة قوله تعالى دعاء للمؤمنين علمه الله للمؤمنين { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
المصدر رسالة الاسلام

تعليقات