قتل النفس


بسم الله الرحمن الرحيم
تَزَوَّدْ مِنْ الْمَاء الْبَارِد فَإِنَّك لا تَدْخُل الْجَنَّة
قتل النفس ورطة كبيرة يصعب الخروج منها
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ :
(( إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ : الَّتِي لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا : سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ ))[1]
قَوْله ( إِنَّ مِنْ وَرَطَات ) جَمْع وَرْطَة وَهِيَ الْهَلاك ، يُقَال وَقَعَ فُلان فِي وَرْطَة أَيْ فِي شَيْء لا يَنْجُو مِنْهُ , وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْخَبَر بِقَوْلِهِ الَّتِي لا مَخْرَج لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسه فِيهَا . 
قَوْله ( سَفْك الدَّم ) أَيْ إِرَاقَته وَالْمُرَاد بِهِ الْقَتْل بِأَيِّ صِفَة كَانَ 
قَوْله ( بِغَيْرِ حِلِّهِ ) فِي رِوَايَة أَبِي نُعَيْم " بِغَيْرِ حَقِّهِ " وَهُوَ مُوَافِق لِلَفْظِ الآيَة .
وَهَلْ الْمَوْقُوف عَلَى اِبْن عُمَر مُنْتَزَع مِنْ الْمَرْفُوع فَكَأَنَّ اِبْن عُمَر فَهِمَ مِنْ كَوْن الْقَاتِل لا يَكُون فِي فُسْحَة أَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسه فَأَهْلَكَهَا , لَكِنَّ التَّعْبِير بِقَوْلِهِ " مِنْ وَرَطَات الأُمُور " يَقْتَضِي الْمُشَارَكَة بِخِلَافِ اللَّفْظ الأَوَّل فَهُوَ أَشَدُّ فِي الْوَعِيد 
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَتَلَ عَامِدًا بِغَيْرِ حَقٍّ :
(( تَزَوَّدْ مِنْ الْمَاء الْبَارِد فَإِنَّك لا تَدْخُل الْجَنَّة ))
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر " زَوَال الدُّنْيَا كُلّهَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّه مِنْ قَتْل رَجُل مُسْلِم " قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حَسَن . قُلْت : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ " لَقَتْلُ الْمُؤْمِن أَعْظَمُ عِنْد اللَّه مِنْ زَوَال الدُّنْيَا " .
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : ثَبَتَ النَّهْي عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَة بِغَيْرِ حَقّ وَالْوَعِيد فِي ذَلِكَ , فَكَيْف بِقَتْلِ الآدَمِيّ , فَكَيْف بِالتَّقِيِّ الصَّالِح .ا.هـ[2]
`````
قتل النفس المسلمة من الضلال

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلالاً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ))[3]
فقاتل النفس ضال ، والقتل يوقع الإنسان في الضلالة فيستحق هذا الاسم بهذه الجريمة ، لأنه أوقع نفسه فيما حرم الله تعالى بغير هدى وبغير علم ، فالضال هو الذي يفعل الشيء بغير هدى ولا علم ، كما فعلت النصارى ، فوصفهم الله بالضالين كما في سورة الفاتحة .. 
وهذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيقع في هذه الأمة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ، لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ ، وَلا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ ))[4]
وفي رواية :
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ : لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )) [5]
ووالله هذا ما نراه اليوم ، حيث يخرج من يقاتل لعصبية سواء كانت هذه العصبية لقومه أو قبيلته أو لحزب أو لجماعة لمجرد التعصب لهم ولا يدري لأي سبب يفعل ذلك ، ومنهم من يتم تأجيره بالمال فيقتل وهو لا يدري لأي سبب يقتل .. ومنهم من يقتل وهو لا يعلم عظيم حرمة الدم في الإسلام .. وكلهم يتصفون بالجهل والضلالة .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ فَبَيَّنَ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْقِتَال إِذَا كَانَ عَلَى جَهْل مِنْ طَلَب الدُّنْيَا أَوْ اِتِّبَاع هَوًى فَهُوَ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ " الْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّار ".[6]

`````
قتل النفس المسلمة من الكبائر

لا يزال القتل بغير حق في الإسلام لا يتسم ولا يتصف إلا بأبشع ما يمكن أن توصف به جريمة ، فهو أشد الجرائم على الإطلاق ، فينضم إلى ما سبق .. أنه كبيرة من الكبائر .. أي من أعظم وأضخم الذنوب في الإسلام .. عياذًا بالله من الخذلان .
عن عمير بن قتادة بن سعد :
(( أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ : هُنَّ سَبْعٌ ، أَعْظَمُهُنَّ : إِشْرَاكٌ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَفِرَارٌ يَوْمَ الزَّحْفِ ))[7]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ))[8]
الكبائر متعددة ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم أكبرها وأشدها هذه الأربع التي منها قتل النفس بغير حق فقال عليه الصلاة والسلام (أكبر الكبائر)، فهذه جرائم شديدة جدًا على فاعلها ، من أكبر الذنوب التي يمكن أن يرتكبها إنسان ، ومرتكبها على خطر عظيم ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها بعد الإشراك بالله كما جاء في معظم الأحاديث .
عن أبي أَيُّوب الأَنْصَارِيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 
(( مَنْ جَاءَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَلا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَيُقِيمُ الصَّلاةَ ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ ، كَانَ لَهُ الْجَنَّةُ ، فَسَأَلُوهُ عَنْ الْكَبَائِرِ ؟ فَقَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُسْلِمَةِ ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ ))[9]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الْكَبَائِرُ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ))[10]
قال الهيتمي : وَاخْتَلَفُوا فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ أَكْبَرَهَا بَعْدَ الشِّرْكِ الْقَتْلُ .[11]

`````

قتل النفس من الموبقات

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصِنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ))[12]
( الْمُوبِقَات ) فَهِيَ الْمُهْلِكَات يُقَال : ( وَبَقَ الرَّجُل ) إِذَا هَلَكَ . وَ ( أَوْبَقَ ) غَيْره أَيْ أَهْلَكَهُ . 
وَأَمَّا ( الْمُحْصَنَات الْغَافِلات ) الْمُرَاد بِالْمُحْصَنَاتِ هُنَا الْعَفَائِف , وَبِالْغَافِلاتِ الْغَافِلات عَنْ الْفَوَاحِش , وَمَا قُذِفْنَ بِهِ . 
ففوق أن قتل النفس من الكبائر فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه من الموبقات التي تهلك صاحبه فهو هلاك لدينه ودنياه ، وهلاك في الدنيا والآخرة .
فالعاقل هو من يجتنب هذا الجرم ، لا من يُقدم عليه ، مطمئنًا أنه لن تناله عقوبة في الدنيا ، وهو لا يدري أنه قد أودى بنفسه إلى الهلاك والبوار .

تعليقات