خطبة الجمعة: الذاكرون الله كثيرا


الحمد لله الذي زين بالذكر ألسنة الذاكرين، كما زين بالنور أبصار الناظرين، أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، حمدا يجلب نعمه، ويدفع نقمه، ويكافئ مزيد فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما طابت الدنيا إلا بذكره ، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، القائل:« عليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء وذكر لك في الأرض » فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، قال الله عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
أيها المؤمنون: ذكر الله تعالى هو قوت القلوب وعافيتها، ودواء أمراضها عند اعتلالها، وهو مستراح العابدين، وأنس الصالحين، وشغل المتقين، به يستدفعون البليات، وتهون عليهم المصيبات، فإذا أظلهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عباده، ولقد أمرنا الله تعالى به كثيرا فقال:( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا* وسبحوه بكرة وأصيلا) قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: أي بالليل والنهار، في البر والبحر، والسفر والحضر، والغنى والفقر، والمرض والصحة، والسر والعلانية.
ولذلك صار الذكر سببا للتواصل بين أهل السماء والأرض واسمعوا يا عباد الله إلى ذلك الحوار بين الله تعالى وملائكته، وهو يسأل عن عباده الذاكرين ماذا يسألون وماذا يريدون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن لله ملائكة يطوفون فى الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك ويكبرونك، ويحمدونك ويمجدونك. فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك. فيقول: وكيف لو رأوني؟ يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. يقول: فما يسألوني؟ قالوا: يسألونك الجنة. يقول: وهل رأوها؟ يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ يقولون: من النار. يقول: وهل رأوها؟ يقولون: لا والله ما رأوها. يقول: فكيف لو رأوها؟ يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة. وبعد هذا الحوار يأتي الجواب من الله تعالى لملائكته إذ يقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم. وليست المغفرة لمن ذكر بل لمن جلس معهم، فهناك من أتى لمجلس الذكر لحاجة، لذلك يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. فيقول الله: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ». فلا يخيب من كان لله ذاكرا، وفي مجالس الذاكرين حاضرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة».
عباد الله: إذا كان الذكر بهذه المنزلة فإنه لا يعني أن نردد ألفاظا من غير أن نحقق معانيها في حياتنا ومعاشنا، فليس الذاكر من قال سبحان الله والحمد لله وقلبه مصر على الذنوب، وإنما الذاكر من إذا هم بمعصية ذكر مقامه بين يدي علام الغيوب، قال الله عز وجل( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) ولذلك عندما هم الفضيل بن عياض بمعصية سمع تاليا يتلو قول الله تعالى( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) قال: بلى يا رب، قد آن. فتاب من يومه.
والذاكر الحقيقي هو من يستحضر هيبة المذكور في أسرته فلا يظلم، وفي عمله فلا يضيع وقته، وفي بيعه وشرائه فلا يبخس ولا يكذب ولا يحلف، قال بعض الصالحين: ليس الذاكر من همهم بلسانه، وإنما الذاكر من إذا جلس في سوقه وأخذ يزن بميزانه علم أن الله مطلع عليه فلم يأخذ إلا حقا ولم يعط إلا حقا وفي كل موقف كان منه يستحضر مراقبة الله تعالى، فهذا هو الذاكر الذي يباهي الله عز وجل به الملائكة، وهذا ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يستحلف نفرا من أصحابه، وقد خرج عليهم وهم في حلقة، فقال :« ما أجلسكم ؟». قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا. قال :« آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟». قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال:« أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني: أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة».
واعلم أن الله سبحانه إذا أحب عبدا ألهمه ذكره، فاذكر الله وأنت في طريقك إلى عملك، وادفع به غضبك، واستعن به على قضاء حاجاتك، واذكر الله في أوقات انتظارك أو في الطريق عند عودتك، واذكر الله في كل أوقاتك.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لذكره وحسن عبادته، ونسأله تعالى أن يوفقنا لطاعته وطاعة من أمرنا بطاعته, عملا بقوله:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: إن ذكر الله تعالى مطلوب على كل حال لما يعود على الذاكر من الخير والفضل، من نيل رضوان الله والقرب منه، ونيل الثواب والأجر، ومغفرة الذنب وسعة الرزق، وتحصيل الخير في الدنيا والآخرة، فاذكروا الله دائما، فالذكر مطلوب في الصباح وفي المساء، وعند النوم وعند الاستيقاظ منه، وعند دخول البيت وعند الخروج منه، وعند بدء تناول الطعام وعند الفراغ منه، وعند قضاء الحاجة، وعند السفر وعند الرجوع منه، وعند زيارة المريض، وعند رؤية الخير في أيدي الناس، وقبل العبادة، وبعد الفراغ منها، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال تعالى:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم وفق ولي أمرنا رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد ونائبه لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات وولي عهده الأمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض. اللهم أدم على دولة الإمارات الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).

تعليقات