ما هو القولُ الراجِحُ في حُكم تحيةِ المسجد؟

السـؤال:
ما هو القولُ الراجِحُ في حُكم تحيةِ المسجد؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فالظاهرُ من النُّصوص الحديثية أنّ تحيةَ المسجدِ واجبةٌ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»(١- أخرجه البخاري في «المساجد»: (433)، ومسلم في «صلاة المسافرين»: (1654)، والترمذي في «الصلاة»:(316)، والنسائي في «المساجد»: (730)، ومالك في «الموطإ»: (386)، والدارمي في «سننه»: (1365)، وابن حبان: (2499)، وأحمد: (22088)، من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه)، وفي لفظ: «فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»(٢- أخرجه البخاري في «التطوع»: (1110)، ومسلم في «صلاة المسافرين»: (1655)، وابن خزيمة: (1829)، وأحمد: (22095)، من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه. وأخرجه ابن ماجه في «إقامة الصلاة»: (1012)، وابن خزيمة: (1325)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، فالحديثُ يدلُّ على وجوب ركعتي تحية المسجد؛ لأنّ الأمرَ للوجوب كما في الرواية الأولى، والنهيَّ للتحريم كما في الرواية الثانية. وهذا هو الظاهر ومَنْ أزالهما عن الظاهر فهو محتاجٌ إلى الدليل. ومِنْ مُؤكِّدات الإيجاب حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قطع خطبتَه وأمر سُلَيْكًا الغَطَفَانِيَّ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا(٣- أخرجه مسلم في «الجمعة»: (2023)، وأبو داود في «الصلاة»: (1116)، وابن ماجه في «إقامة الصلاة»: (1112)، وابن حبان: (2500)، وابن خزيمة: (1835)، وأحمد: (13996)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما).
وغايةً ما يَستدِلُّ به الجمهورُ أنّ الوجوبَ مصروفٌ إلى الندب ببعض النصوصِ الحديثيةِ منها: قولُ السائلِ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ: الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ» قال: هل عَلَيَّ غيرهنّ؟ قال: «لاَ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ»(٤- أخرجه البخاري في «الإيمان»: (46)، ومسلم في «الإيمان»: (100)، وأبو داود في «الصلاة»: (391)، والنسائي في «الصلاة»: (458)، ومالك في «الموطإ»: (423)، وابن حبان: (1724)، وابن خزيمة: (306)، من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه)، فيدلّ على أنّ تحيةَ المسجد ليستْ واجبةً. وحديثُ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ»(٥- أخرجه ابن ماجه في «إقامة الصلاة»: (1115)، من حديث جابر رضي الله عنه. وأخرجه وأبو داود في «الصلاة»: (1118)، والنسائي في «الجمعة»: (1399)، وابن حبان: (2790)، وابن خزيمة: (1812)، وأحمد: (17344)، والبيهقي: (5915)، والحاكم: (1093)، من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألباني في «صحيح الجامع»: (155)) فأمره صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بالجلوس ولم يأمره بتحية المسجد، يدلُّ على أنها ليستْ بواجبةٍ، وكذلك حديثُ النَّفَرِ الثلاثةِ، أقبل اثنان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وذهب واحد.. فأمّا أحدهما فرأى فُرْجَةً في الحلقة فجلس فيها، وأمّا الآخر فجلس خَلْفَهُم، وأمّا الثالث فأدبر ذاهبًا…»(٦- أخرجه البخاري في «العلم»: (66)، ومسلم في «السلام»: (5681)، والترمذي في «الاستئذان»: (2724)، ومالك في «الموطإ»: (1724)، وابن حبان: (86)، وأحمد: (21400)، من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه)، الحديث يفيد أنه لم يأمره صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بصلاة تحية المسجد فدلّ على عدم وجوبها إذ لا يُقرّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على باطل.
فمجموع هذه الأدلة يمكن الجواب عنها فيما يلي:
أولاً: يحتمل في حديث: «إلاّ أن تطّوّع» أنه كان قبل أن يجب غيرُها من الصلوات، فيكون حصر واجبات الصلاة باعتبار وقت السائل الذي سأله فيه، ولم يقل له: إنه لا يجب عليه ما يوجبه الله من بعد، بل ما أوجبه الله وجب، بدليل أنّ صلاة الجنازة واجبة ولم تذكر في محصور الحديث، وهذا الجواب يشمل أيضًا لحديث: «اجلس فقد آذيت…» وحديثِ النفر الثلاثة؛ لأنّ الشريعة تكاملت شيئًا فشيئًا.
ثانيًا: إنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لَمَّا نفى وجوبَ الواجباتِ ابتداءً في قوله: «إلاّ أن تطّوّع» لا الواجباتِ بأسبابٍ يختار المكلّف فعلها كدخول المسجد، فلا يصحُّ شمول هذا الصارف وغيرِه لمثلها. وعليه، فإنّ إيجاب ركعتي تحية المسجد هو الجاري على مقتضى الأوامر والنواهي.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

تعليقات