اللذة القاتلة..!


اللذة القاتلة..! 
هل سمعتم بسمٍّ عضال أحلى من الزلال؟! أو سمعتم بلحم ميتة أشهى من كل حلال؟!
إنها "الغيبة"؛ اللذة القاتلة التي تصرع كل يوم وليلة، بل كل طرفة عين، الآلاف والملايين الذين لا يلقون بالا لما يقولون، ويستبيحون بألسنتهم أعراض الناس!.
قال الحسن البصري - رحمه الله -: "والله للغيبة أسرع فسادا في الدين العبد من الآكلة في الجسد".
وقال ابنُ حجر - رحمه الله -: "الغيبة هي الداء الفعال، والسم الذي في الألسن أحلى من الزلال".
وأبلغ منذ ذلك وأوعظ قول رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه -: ((وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم))[رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
حكى إمام مسجد أنه أراد يوما أن يشوق الناس لحديثه عقب الصلاة، وفي الناس شغف وفضول لكل جديد ومثير! فقال الإمام: حديثي معكم اليوم عن آكلي لحوم البشر... ثم سكت؛ فكأن الطير على رؤوس الناس إنصاتا وترقبا؛ فحدثهم عن الغيبة التي قال الله - جل وعلا - في وصف أهلها وذمهم: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)[الحجرات: 12)].
وإنْ تعجب من سهولة سريان الغيبة على الألسنة؛ فالعجب أشد من الحيل النفسية التي يبرر بها المغتابون غيبتهم، ويزينها لهم الشيطان، ومن أبلغ ما قيل حول ذلك كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، يقول فيه: "فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون; لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفروا عنه فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم. ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى: تارة في قالب ديانة وصلاح، فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ولا أحب الغيبة ولا الكذب; وإنما أخبركم بأحواله. ويقول: والله إنه مسكين، أو رجل جيد; ولكن فيه كيت وكيت. وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله; وإنما قصده استنقاصه وهضم لجانبه. ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة، يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا; وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه" [انتهى كلامه - رحمه الله -].
وقد نقل القرطبي - رحمه الله - الإجماع على أن الغيبة من الكبائر؛ وكما أن الجرم كبير ووقوعه كثير، مع أن غشيانه يسير؛ فقد أعدّ الله في المقابل لمن يصدّ عنه من يقارفه أجرا عظيما جليلا لا يكاد يعرفه كثير من الناس أو يخطر لهم ببال، وحريٌّ بمن سمعه أن ينشره في كل مجلس، وهو ما جاء في حديث أسماء بنت يزيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار))[رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني].
أما من لا يكفيهم الزجر والتشنيع والتشبيه الفظيع لهذا الذنب، مع ما في الحديث الشريف من فضل الصدّ عنه والذبّ؛ فإلى الله المشتكى، وهو المستعان على قسوة القلب!..
الكاتب: خالد عبد الحليم

تعليقات