إلاّ المُجاهِرون!

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
أما بعد ،،
كثير من الناس لم يكتفِ بفِعل المعاصي والمنكرات بل يعمد إلى المجاهرة بها والافتخار بارتكابها والتحدث بذلك بغير ضرورة، وصارت سِمَةً من سمات بعض النّاس، فينبغي على الإنسان أن يتوبَ ويستتر، ولكن هؤلاء يجاهرون، والله تعالى يقول: {لاّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} النساء:.148
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''كلّ أمّتي مُعَافى إلاّ المُجاهرين، وإنّ مِن الإجهار أن يعمَل العبد باللّيل عملاً، ثمّ يصبح قد ستره ربّه، فيقول: يا فلان! قد عَمِلْتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه'' متفق عليه.
يُبشِّر سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّته بأنّها أمّة المعافاة في الدنيا والآخرة. والمعافاة في الدنيا بأن الله لن يهلكها بما هلك به الأمم السابقة، فقد ابتلى الله الأمم الغابرة بأصناف العذاب البالغة، قال تعالى: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} العنكبوت: .40 وأمّا المعافاة في الآخرة بعدم الخلود في النّار، عن أَنَسِ بن مالك، قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: ''أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قال لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قال لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قال لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً''.
فهذا رجل يجاهر ويتحدث أمام الملأ عن سفرته وما تخلّلها من فسق وفجور، فيتفاخر بذلك في المجالس ويحسب أن ذلك من الفتوة وكمال الرجولة.. وهذا شاب يتحدث عن مغازلاته ومغامراته.. وهذه فتاة تتحدث عن علاقاتها الآثمة مع صديقها أو صديقاتها...
إنّ مِن مفاسد المجاهرة بالمعاصي الاستخفاف بأوامر الله عزّ وجلّ ونواهيه، وأنّها تؤدي إلى اعتياد القبائح واستمرائها وكأنّها أمور عادية لا شيء فيها، وأنّها بمثابة دعوة للغير إلى ارتكاب المعاصي وإشاعة الفساد ونشر للمنكرات، وأنّها دليل على سوء الخُلُق والوقاحة وقلّة أدب صاحبها، وأنّها دليل على قسوة القلب واستحكام الغفلة من قلب المجاهر.
والنّفس متَى ألِفَت ظهور المعاصي زاد انهماكها فيها ولم تبالِ باجتنابها، لذا حَذَّر الشّرع الحنيف من مجاهرة الله بالمعصية وبيّن الله تعالى أنّ ذلك من أسباب العقوبة والعذاب، فمن النّصوص الدالة على ذلك قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النور: .19
وانظُر رحمك الله إلى قوله الإمام الحارِث المُحاسبي رحمه الله: (اعلَمْ يا أخي أنَّ الذُّنوبَ تورِثُ الغَفْلةَ، والغفلةُ تورِثُ القسوةَ، والقَسوةُ تورِثُ البُعدَ من اللهِ، والبُعدُ منَ اللهِ يورثُ النّارَ، وإنّما يتفكَّرُ في هذا الأحياءُ، وأمّا الأمواتُ فإنَّهم قد أَماتُوا أنفسَهم بحُبِّ الدُّنْيا).

تعليقات