الصلاة ليست مجرد قراءة فحسب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصلاة ليست مجرد قراءة فحسب
الصلاة ثاني أركان الإسلام، وهي عماد الدين، وهي الحد الفاصل بين المؤمن والكافر، وهي أول ما يحاسب عليه المرء من دينه يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر العمل وإن فسدت فسد سائر العمل، وهي نور المؤمن، وهي سبيل النجاة من تمسك بها أفلح ومن تركها خاب وخسر، وفضائلها أكثر من ذلك، ولكن هذه بعض منها ليعلم المرء عظم هذه الشعيرة وبماذا ينوي إذا أراد القيام بها.
ثم إن من شروط الصلاة أن يصلي العبد كما أمره رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يصلي وليس في قلبه ما تشتهيه نفسه أو يطلبه العامة من الناس، ثم إن بلغ الإنسان ما بلغ من القرآن في حفظه أو إتقانه أو أخذ السند من بعض المشايخ أو حتى بلوغه القراءات العشر هذا لا يكفي كونه يصبح إماما أو أن يتقدم الناس بل لابد من تطبيق السنة ولاسيما في أعظم شعائر الله وهي الصلاة، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، فإذا صلى صلاة غير صلاة النبي فكيف تقبل صلاته وهو قد أخل بشرط من شروط العبادة؟! فضلا عن كونه يتقدم للصلاة، ومتى كانت الصلاة تستخدم لطرب الناس والتخفيف فيما قد يبطل الصلاة انقلبت الموازين وتغيرت المفاهيم منذ متى يراد بالتخفيف الإخلال بركن من أركانها ألا وهو الاطمئنان؟! هل تتوقع هذا من هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- والصحابة من بعده لا والله ما كان هذا هديهم، لكن هذا ما زينه الشيطان لعامة الناس ولبعض الجهال بالدين ولمن قد افتتن بصوته نسأل الله السلامة والعافية، ويقولون هو تخفيف ويستدلون بأحاديث وآيات لاتباع الهوى لا لتطبيق السنة سبحانك ربي أين دين الله وأين التسليم للنصوص وأين كلام الراسخين في العلم؟! وصدق الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود –رضي الله عنه- لما رأى حلقا يذكرون الله فيها جميعا بالحصى إذ يقول: ((والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير، قال وكم: من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم))[رواه الدارمي (1/79)].
وعن عبدالله بن الديلمي قال: "تذهب السنة سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة، وآخر الدين الصلاة، وليصلين قوم ولا خلاق لهم"[أخرجه الدارمي في سننه (98)]، وعن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: "ما أعرف شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة" قال أبو عبدالله الشافعي صحيح الإسناد وعن أم الدرداء قالت: دخل علي أبو الدرداء وهو غضبان فقلت: له وما أغضبك؟ فقال: "والله ما أعرف فيهم والله ما أعرف فيهم من أمر محمد-صلى الله عليه وسلم-، شيئا إلا أنهم يصلون جميعا"[أخرجه البخاري (650)]، وفي الصحيح عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أنه قال: "يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، وإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا" فمن بعض ما يستدلون به ودين الله ورسوله بريء مما يقوله هؤلاء قوله عز من قائل: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وقوله - سبحانه -: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه))، وأيضا ما رواه البخاري عن محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري قال: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل، فوافق معاذا يصلي، فترك ناضحيه، وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء، فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذا نال منه، فأتى النبي فشكا إليه معاذا، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((يا معاذ أفتان أنت؟!))، أو ((فاتن)) ثلاث مرات: ((فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة))، وغيرها مما هو حق ولكن أرادوا به باطلاً.
فالجواب أن الله يريد بكم اليسر فيما رخصه لكم وليس في اتباع الهوى وفيما قد يخل بالعبادة، ثم إن الله يحب أن تؤتى عزائمه كما يحب أن تؤتى رخصه، صحيح أن أهل العلم أخذوا من الآيات والأحاديث الدالة على التيسير أنه إذا كان الأمر بين شيئين مباحين يختار أيسرهما لعموم الأدلة ولقاعدة "المشقة تجلب التيسير" وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه لكن هذا لا يقاس في الأمور التي جاء فيها النص صريحا ونأتي بمخالفته ونقول هو تخفيف مثل الاطمئنان في الصلاة، أين قول النبي –صلى الله عليه وسلم- عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه -: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنّة من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة))[رواه مسلم (158/6)] وقوله كما في حديث أنس - رضي الله عنه -: ((إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز من صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه))[رواه البخاري(6-7)]، وأن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في المغرب بالطور تارة وتارة بالأعراف [كما في حديث زيد بن ثابت الذي رواه البخاري (764)].
إذاً ما الضابط في ذلك؟ الضابط كما قال الشيخ خالد المشيقح - حفظه الله - تعالى - أن التخفيف ينقسم إلى قسمين:
1 - تخفيف لازم: وهو أن يصلي الرجل صلاة النبي –صلى الله عليه وسلم- كما قال ابن عباس أن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا بالتخفيف ويصلي بالصافات.
2- تخفيف عارض: وهو أن يخفف عما كان يفعله النبي –صلى الله عليه وسلم- لأمر عارض كما جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز من صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه))[رواه البخاري(6-7)، وانظر إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القواعد الفقهية (ص112): "ومن المعلوم أن مقدار الصلاة -واجبها ومستحبها- لا يرجع فيه إلى غير السنة؛ فإن هذا من العلم الذي لم يكله الله ورسوله إلى آراء العباد؛ إذ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بالمسلمين في كل يوم خمس صلوات وكذلك خلفاؤه الراشدون الذين أمرنا بالاقتداء بهم، فيجب البحث عما سنه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا ينبغي أن يوضع فيه حكم بالرأي وإنما يكون اجتهاد الرأي فيما لم تمض به سنة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يجوز أن يعمد إلى شيء مضت به سنة فيرد بالرأي والقياس، ومما يبين هذا أن التخفيف أمر نسبي إضافي ليس له حد في اللغة ولا في العرف؛ إذ قد يستطيل هؤلاء ما يستخفه هؤلاء ويستخف هؤلاء ما يستطيله هؤلاء، فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس" ا. هـ. قال الشيخ خالد المشيقح: "ومقادير العبادات لا يوكل فيها إلى العادات".
وانتبه إلى نقطة مهمة أخي في الله إياك أن تقصر فيما بينك وبين الله لإشباع ما في قلوب الناس، فليس كل كلام يسمع من عوام الناس يطاع وإنما عليك بكلام الراسخين في العلم والصالحين عليك بتطبيق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- هل سألك شخص ما من عوام الناس هل هذي هي السنة؟ أين السنة؟ كيف كانت سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-؟ أم متى ننتهي من الصلاة؟ ولماذا لا تخفف؟ وقلل من وقت الإقامة، وهكذا! وكأن الصلاة حمل ثقيل، اتقوا الله ربكم الذي فرض عليكم الصلاة وصلوها كما أمر باتباع وتطبيق سنة خير البشر محمد -صلى الله عليه وسلم-، فحري بالإمام المسلم أن يتبع هدي النبي-صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه مأمور بالإتباع خاصة في العبادة لأن شروط العبادة الإخلاص والمتابعة، فإن زال شرط بطلت العبادة فليتقي الإمام الله فيما آتاه فالأمر جد خطير، قال - تعالى -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)[الأحزاب: 21)]، وقال - سبحانه -: (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تَوَلَّواْ فإنما عليه ما حُمِّل وعليكم ما حُمِّلتم وإن تطيعوه تهتدواْ وما على الرسول إلا البلاغ المبين)[النور: 54)]، وقال عز من قائل: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم)[محمد: 33)].
وأنقل لكم بعض ما يقع فيه المصلون وبالأخص الأئمة منهم من خطأ قد شاع وذاع ألا وهو الإسراع في الصلاة، فاعلم أخي في الله أن الصلاة لم توضع لراحتك أو لما تشتهيه نفسك فتحدد مقدارها وطولها وقصرها إنما بتطبيق السنة فتلك النجاة؛ فبعض الإسراع فيها قد يخل بالصلاة، فقد أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث المسيء صلاته بالاطمئنان، فعن أبي هريرة: أن رسول الله دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي-صلى الله عليه وسلم- فرد، وقال: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل))، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء، فسلم على النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقال: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق، ما أحسن غيره، فعلمني؟ فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى (تطمئن) راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى (تطمئن) ساجدا، ثم ارفع حتى (تطمئن) جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها))[رواه البخاري].
وقد نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- أن ينقر الرجل نقر الغراب، رواه أحمد، وعن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته)) قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: ((لا يتم ركوعها ولا سجودها)) أو قال: ((لا يقيم صلبه في الركوع والسجود))[رواه أحمد]، إلى غيرها من الأحكام المهمة التي يجب على المصلي تعلمها ولا يسعه له تركها إن نقص فيها نقصا مخلا فتبطل صلاته بها أو زاد فيها زيادة غير مشروعة، والأصل في العبادات المنع ولا زيادة إلا بدليل، وأختم بقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في قوله - تعالى -: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)، قال: وإضاعتها التفريط في واجباتها وإن كان يصليها، والله أعلم [مجموع الفتاوى (22/6)]، والكلام في هذا الأمر يطول لكن أرجو من الله وحده أن أكون قد أوضحت المقصود وأوصلت المطلوب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

تعليقات