أحكام الشتاء للشيخ سلطان العيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، معاشر المؤمنين، إن ربنا جل وعلا هو مكور الليل على النهار، ومكور النهار على الليل، ((فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ))، جعل في اختلاف الليل والنهار آيات لأولي الألباب، ((وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)).
معاشر المؤمنين، إن الله سبحانه وتعالى قد رفع عنا في هذا الدين الحرج والمشقة، فديننا بحمد الله عز وجل دين اليسر ورفع الحرج، يقول الله سبحانه وتعالى: ((يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ))، ويقول جل وعلا: ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ))، هذه النصوص أصلت قاعدة من قواعد الدين وهي: أن المشقة تجلب التيسير، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (بعثت بحنيفية سمحة). فديننا بحمد الله عز وجل دين الرحمة ورفع الآصار والأغلال، ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)).
إنك لو تأملت أحكام الشريعة، لوجدت لهذه القاعدة مكانها واعتبارها، فقد شرع الله لعباده الإبراد بالصلاة عند شدة الحر، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم). وشرع الله لعباده الفطر في رمضان لعذر السفر أو المرض، ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). وأذن ربنا للمريض أن يصلي قاعدا إن لم يستطع القيام، يقول صلى الله عليه وسلم: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب). وأذن ربنا جل وعلا للمضطر في أكل الميتة، ((فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)).
وأما الشتاء واشتداد البرد، فلهما أحكام كثيرة، يظهر فيها يسر الشريعة وسماحتها، ومراعاتها لمصالح الدين والدنيا، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيما أو ريحا عُرف في وجهه، قالت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا) خرجها في الصحيحين، وفي صحيح مسلم عنها رضي الله عنها أنها قالت: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم عُرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سُر به وذهب عنه ذلك، ويقول إذا رأى المطر: رحمة) قال النووي: "وكان خوفه صلى الله عليه وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة، وسروره لزوال سبب الخوف". وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه إشارة لطيفة لأهل الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: (ليست السنة -أي: القحط- بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئا) فهذا الحديث فيه تذكير للعباد لحاجتهم إلى سؤال الله البركة فيما ينزل، وأن لا يتكلوا على نزول الغيث، فإنه قد ينزل ولا يبارك الله فيه.
معاشر المؤمنين، إن هذه الشريعة الغراء تراعي حال الشدة والرخاء، أما في الشدة فشرعت صلاة الاستسقاء، وأما في الرخاء عند نزول الغيث فهناك تعبد آخر لله عز وجل، ومنه: الدعاء، يقول صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث) رواه الشافعي وحسنه الألباني في الصحيحة، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء -أي: رأى سحابا لم يتكامل اجتماعه- ترك العمل وإن كان في صلاة ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شرها، فإن مطر قال: اللهم صيبا هنيئا) رواه الإمام أبو داود في سننه.
ومن تيسير الله على عباده في هذه الأحوال، وعند هذه الشدائد: مشروعية الجمع بين الصلاتين، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر)، وفي رواية له: (من غير خوف ولا مطر)، وروى عبدالرزاق في مصنفه بسند صحيح أن أهل المدينة كانوا يجمعون في الليلة المطيرة بين المغرب والعشاء، ويجمع معهم عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لا يعيب عليهم ذلك. والمراد بالمطر الذي يجمع من أجله: ما يَبُل الثياب وتوجد معه مشقة، فلا يجمع لمطر خفيف لا مشقة فيه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قول ابن عباس رضي الله عنهما: جمع من غير كذا ولا كذا، ليس نفيا منه للجمع بتلك الأسباب، بل إثبات منه؛ لأنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضا، ولو لم ينقل أنه جمع بها، فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى" وقال: "إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع والجمع لها أولى من الجمع لغيرها" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.
ومن المسائل التي تتعلق بالجمع بين الصلاتين:
أولا: الجمع بين الظهر والعصر، فإن بعض الناس يجيزون الجمع بين المغرب والعشاء، ويمنعون الجمع بين الظهر والعصر، مع أن حديث ابن عباس الذي استدلوا به على مشروعية الجمع بين المغرب والعشاء، فيه أنه جمع أيضا بين الظهر والعصر، وممن اختار جواز الجمع بين الظهر والعصر لأجل المطر شيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي أبو يعلى وأبو الخطاب، وجمع من اهل العلم، ولم يذكر ابن هبيرة عن الإمام أحمد غيره.
ثانيا: يجوز الجمع بين الصلاتين، للوحل الشديد، أو الريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء، ولو لم يكن هناك مطر، قال شيخ الإسلام: " يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلا، في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم" انتهى كلامه، وعليه: يجوز الجمع بين الصلاتين عند وجود الوحل الشديد، والوحل: هو الطين الرقيق الذي يكون بعد نزول المطر، وكذلك يجوز الجمع عند الريح الشديدة الباردة، ولا يشترط في هذه الحال نزول مطر، بل هذه أعذار مستقلة. وهنا مسألة: وهي أنه لا يجمع بين الصلاتين إذا اشتد البرد دون ريح، لأن شدة البرد بدون ريح يمكن التوقي منها بكثرة الثياب. وهناك مسألة أخرى: وهي أن الريح الشديدة بدون برد لا تبيح الجمع إلا إن كان معها تراب يضر بالإنسان، فيجوز الجمع لوجود المشقة والحرج، كما في الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله.
ثالثا: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا يفتقر الجمع إلى نية عند جمهور أهل العلم، وهو الذي تدل عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم" وقال: "ولم ينقل قط أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه لا بنية قصر ولا نية جمع، ولا كان خلفاؤه وأصحابه يأمرون بذلك من يصلي خلفهم، مع أن المأمومين أو أكثرهم لا يعرفون ما يفعله الإمام" وقال أيضا: "والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعا وقصرا، لم يكن يأمر أحدا منهم بنية الجمع والقصر" انتهى كلامه. وبناء على ما تقدم، فلا تشترط نية الجمع عند إحرام الأولى، والذي يشترط: هو وجود سبب الجمع، فله أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الصلاة الأولى، ولو عند إحرامه بالصلاة الثانية، ما دام السبب موجودا، قاله العلامة ابن عثيمين.
رابعا: إذا جاز له الجمع، فهل يشترط للجمع بين الصلاتين الموالاة بينهما، فيصلي المغرب مثلا ثم يعقبها بالعشاء مباشرة، أم أنه يجوز أن يفرق بينهما؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية؛ فإنه ليس لذلك حد في الشرع". وفي الصحيحين في قصة جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة بعد أن صلى المغرب، أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت صلاة العشاء.
خامسا: جمهور أهل العلم على أنه يؤذن عند الجمع أذان واحد، ويقام لكل صلاة إقامة خاصة بها، لحديث جابر عند مسلم في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام صلى الصلاتين بعرفة بأذان واحد وإقامتين، وأتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.
سادسا: على المسلم أن يقصد بجمعه بين الصلاتين، التعبد لله سبحانه وتعالى، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والأخذ برخص الشرع، ففي الحديث: (أن الله سبحانه وتعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته)، وعليه أن لا يكون قصده من ذلك التخلص من الصلاة. ويلاحظ أيضا: أن هذا الأمر –أي: الجمع بين الصلاتين- يرجع فيه إلى نظر الإمام واجتهاده في الواقعة إن كان أهلا لذلك، فهو الذي يقدر الحال، فإن كانت مجيزة للجمع جمع وإلا فلا، وعليه: فما يصدر من بعض المأمومين من الرغبة في الجمع عند أدنى سبب، أمر لا ينبغي، فإنهم قد كُفوا المأونة ولله الحمد، وما يحصل أحيانا من الخصام بسبب الرغبة في الجمع وعدمها، كل هذا لا يليق بالمساجد التي هي بيوت الله سبحانه وتعالى، مع أن بعض قد يفتي في تلك الحال وهو ليس بفقيه، لا يعرف الجمع وشروطه وضوابطه، ثم يتعصب لرأيه ويثير البلبلة، ألا فليتق الله وليمسك لسانه، فإن السلامة لا يعدلها شيء. ولا يُنكر في الوقت ذاته: أن بعض الناس يتحرج من الجمع بين الصلاتين، مع وجود المشقة والحرج، الذي أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما، ويحتج بأن بعض المصلين بعد الجمع يخرجون بسياراتهم إلى أمور دنيوية، فيقال لهذا: هل من شرط الجمع أن يلزم الناس كلهم البيوت بعد الجمع بين الصلاتين؟ لا ليس هذا بشرط، فلا تضيقوا على عباد الله، وبعضهم يحتج بأن الناس الآن يركبون سياراتهم لحضور الجماعة، فلا يوجد أذى، فيقال لهذا: وهل يملك الناس كلهم السيارات؟ ثم إن الصحابة رضي الله عنهم كان لبعضهم دواب يركبونها، ومع ذلك أبيح لهما الجمع بين الصلاتين. وبعضهم أيضا يظن أن الجمع لا يجوز إلا بعذر المطر فقط، وتقدم كلام شيخ الإسلام في جواز الجمع لأجل الوحل والريح الشديدة الباردة، ولو لم يكن المطر نازلا حال الجمع. إن الجمع بين الصلاتين سنة إذا وُجد سببه فهو من رخص الله عز وجل، والله يحب أن تؤتى رخصه، وفيه: اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع. وينبه هنا: إلى أنه مع اتساع البلد كمدينة الرياض واختلاف الأماكن فيها من حيث استنقاع الماء ووجود الوحل والضرر الذي قد يكون في حي أو آخر بسبب ارتفاع الأماكن وانخفاضها، فلذلك يباح الجمع لأهل التضرر والتأذي دون غيرهم، ولا ينكر على من جمع لوجود العذر عنده دون غيره من عباد الله.
سابعا: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وغفر له: "لا يشترط وجود العذر –أي: العذر المبيح للجمع كالمطر- لا يشترط وجوده إلا عند السلام من الأولى، فلو لم ينزل المطر مثلا، إلا في أثناء الصلاة، كصلاة المغرب فإنه يصح الجمع على الصحيح، بل لو لم ينزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى –أي: كانت السماء فيها ولم ينزل المطر وبعد أن انتهت الصلاة الأولى نزل المطر- فالصحيح أن الجمع جائز".
ثامنا: قال العلامة ابن عثيمين أيضا: "لا يصح أن يجمع بين الجمعة والعصر، لأن السنة وردت بين الظهر والعصر، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع العصر إلى الجمعة أبدا، فلا يصح أن تقاس الجمعة على الظهر، لما بينهما من الفروق حتى في الوقت على المشهور في مذهب الإمام أحمد".
معاشر المؤمنين، إن في اختلاف الفصول والأيام والليالي حكمة وعبرة وعظة لمن تدبر في ذلك.
فمنها: أن الله سبحانه وتعالى قد سلط هذا البرد على العباد، لينعم الغني منهم، ويتصدق على الفقير، فيفتح الله سبحانه وتعالى له بذلك بابا إلى الجنة.
ومن ذلك: أن يتذكر الإنسان بهذا الألم نعيم الجنة، فإن الله سبحانه وتعالى قد بيّن شيئا من نعيمها بقوله في أهلها: ((لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً))[الإنسان:13] والله جل وعلا قد جعل هذه الدنيا دار الهموم والأنكاد والآلام، لئلا تركن النفس إليها، بل تشتاق أبدا إلى جنات النعيم، ومن ذلك أن يتذكر العبد نار جهنم وعذابها، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر والبرد).
ومن ذلك: أن يكثر العبد الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وسؤاله العافية من هذه الشدائد، ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما يسميه أهل العلم بورد الصباح والمساء، كان نبينا صلى الله عليه وسلم يرغب أهل الإسلام ويحثهم على المحافظة على هذا الورد، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يصبح: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء حتى يمسي، وإذا قالها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح) فمن جوامع دعائه عليه الصلاة والسلام في دفع البلاء وطلب العافية قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي).
ومما يستفاد من اختلاف الفصول والأيام: الصبر على أقدار الله سبحانه وتعالى، إذا جاءت شدة البرد أو شدة الحر، فليصبر المؤمن على ذلك، وليعلم أن أجر الصابرين عظيم عند رب العالمين، وليحذر التسخط على أقدار الله سبحانه وتعالى، فإن الله جل وعلا يبتلي عباده، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط، ولكن عليه أن يعمل بالأسباب التي تدفع عنه الأذى.
ومن ذلك: أن الله سبحانه وتعالى له حكمة في تغير الفصول، ففيه من جهةٍ نفعٌ للأرض بمرور الفصول الأربعة، وفيه أيضا منافع للخلق بالمتاجرة بما يحتاجه الناس في الشتاء وغير ذلك، وربك بكل شيء خبير.
ومن ذلك: أن يتذكر العبد نعمة أعظم من نعمة نزول الغيث، وهي نعمة تحكيم شرع الله سبحانه وتعالى، وهي مما أنعم الله على أهل هذه البلاد -المملكة العربية السعودية- بها، فإنها والله أعظم من غيث ينزل علينا أياما وليالي وشهورا وهاكم الدليل: يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة) رواه النسائي وسنده صحيح، وله حكم الرفع، بل رواه الطبراني في الأوسط مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس بسند حسن كما قاله الحافظ العراقي، (إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة).

عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى قد فتح لكم في هذه الأيام باب خير وتقرب إليه جل وعلا، وهو صيام يوم عاشوراء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) خرجه الإمام مسلم، تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى، وتوجهوا إليه بما يحب، فإنه جل وعلا قريب ممن دعاه.

تعليقات