حل الإسلام مشكلة الفقر بمسارين اثنين:

الدكتور عائض القرني
حل الإسلام مشكلة الفقر بمسارين اثنين:
المسار الأول:
العلاج الشرعي الإيماني، وذلك بالإخبار عمّا للفقير الصابر من أجر عند الله ومثوبة، وربما كان فقره خيرا له في الدنيا والآخرة، يمنعه من المحرمات ويحجبه عن الشهوات، فصار كثير من الفقراء في الإسلام يفرحون بالفقر ويعدّونه هدية ويحسبونه عطية ويحمدون الله عليه، لأن الإيمان ملأ قلوبهم غنى وقناعة واحتسابا، فصاروا يرون فيه عبئا ثقيلا وحملا كبيرا أراحهم الله منه.
ولهذا تجد بعض الصحابة كعليّ وأبي ذرّ وسلمان وأبي الدرداء وغيرهم كانوا فقراء، ولكنهم يتشرفون بهذا ويفرحون به ويحتسبون كل ما أصابهم من مشقة في سبيل الله.
والمسار الثاني :
الذي عالج به الإسلام مشكلة الفقر أنه فرض لهم في أموال الأغنياء نصيبا معلوما، وهو الزكاة المفروضة، وصارت ركنا من أركان الإسلام يدفعها الغني بلا منّة، ويأخذها الفقير بلا ذلة، فيطهر الغني ماله بها ويزكي نفسه ويسد حاجة الفقير ويرفع الفقر عنه، وزاد الإسلام عملا آخر للفقير القوي المكتسب بأن دعاه إلى العمل والحركة في الكسب وطلب الرزق من كل طريق مباح، فقال عليه الصلاة والسلام:
«لأن يأخذ أحدكم حباله فيحتطب ويبيع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه».
وركّب صلى الله عليه وسلم فأسا في خشبة وأعطاها رجلا فقيرا قويا، وأمره أن يذهب ويحتطب ويبيع، والله سبحانه وتعالى يقول:
«فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ»،
وقد كان داود حدادا، وزكريا نجارا وإدريس خياطا، وعمل موسى في رعي الغنم، بل إن كل الأنبياء رعوا الغنم، بمن فيهم خاتمهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم، فصارت حلول الفقر في الإسلام بحسب حالة الفقير، فإن كان فقيرا عاجزا فله حظ من الزكاة، فإن لم تكفِه أعطي من الصدقة، وله حق الرعاية من بيت المال إذا كان عاجزا، وإذا كان قويا متكسبا أعطي بقدر ما يكفيه حتى يذهب إلى العمل، وإذا كان الفقر بسبب دَين باهظ أو تحمّل ديات في دم أو غرامة في سبيل الله أو أصابته كارثة مالية اجتاحت ماله، فإنه يعطى من بيت المال بقدر حاجته.
وعلى هذا النهج لا يبقى فقير في الأمة الإسلامية ولا عاجز ولا محتاج، حتى لما فعل هذا المشروع الإسلامي في عهد عمر بن عبد العزيز لم يبقَ فقير ولا مسكين ولا يتيم ولا مقعد ولا عاجز ولا مريض ولا ذو عاهة إلا وله من بيت المال ما يكفيه ويكفّ وجهه عن المسألة.
وهذا الذي فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وإنما انتشر الفقر الآن في العالم الإسلامي لتعطيل المشروع الشرعي والحل الإسلامي، فلا زكاة تؤخذ بأمانة وتعطى بعدل وتوزع بسوية، ولا أغنياء يعودون على فقراء، ولا أسواق تستقبل العمال، ولا بيت مال يصرف على أهل الحاجات والضرورات.
بل وجد في كثير من بلاد الإسلام الاستئثار بالمال العام وتعطيل ركن الزكاة والبخل بالصدقة وإهمال الفقراء وعدم الاهتمام بسوق العمل والعمال وضعف الوازع الديني وقلة التراحم والتواصل، فصارت بلاد الإسلام أكثر البلدان فقرا وحاجة وعوزا.
ولهذا حقد الفقير على الغني، والضعيف على القوي، والعاجز على المستبد، فعمّت في المجتمع الشحناء وانتشرت البغضاء، لأن مال الأمة لم يوزع توزيعا عادلا بالقسطاس المستقيم، بل تجد بعض الأفراد يملكون ما تملكه دولة أو لا تملكه، وبعضهم لا يجد قوت يومه، فصار هناك الفرق الشاسع بين أهل الغنى الفاحش وأهل الفقر المدقع.
ومن عاد إلى سجلات العهد النبوي والخلافة الراشدة وجد أن الكفاف قد عمّ الناس وأن فريضة الصلاة قائمة وأن الصدقة مؤداة، وأن صاحب الحاجة تحت رعاية الدولة، فعمّ الإيمان والأمن، وحلّت السكينة والطمأنينة، وانتشر العدل وتناصف الناس، وسادت بينهم الألفة والمحبة والمودة فصارت الأمة قوية مهابة مقدرة، وتلاشت في ذاك العهد مظاهر الأثرة والاستيلاء على المال العام، بل إن بعضهم آثر بطعامه، كما قال تعالى:
« وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»،

تعليقات