من الأسباب التي أدت إلى ظهور المقامات والأضرحة

1- دور الباطنية والشيعة في بناء وتقديس القبور والمقامات:
قال شيخ الإسلام: "ولم يكن في العصور المفضلة "مشاهد" على القبور، وإنما كثر بعد ذلك في دولة بني بويه لما ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب، وكان بها زنادقة كفار مقصودهم تبديل دين الإسلام، وكان في بني بويه من الموافقة لهم على بعض ذلك.
ومن بدع الجهمية والمعتزلة والرافضة ما هو معروف لأهل العلم، فبنوا المشاهد المكذوبة كمشهد علي رضي الله عنه وأمثاله. وفي دولتهم أُظهر المشهد المنسوب إلى علي رضي الله عنه بناحية النجف، وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك، وإنما دفن علي رضي الله عنه بقصر الإمارة بالكوفة.
فعندما بدأت المحدَثات تدب في حياة المسلمين، كان منها ذلك الأمر الجلل؛ فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا ببناء المشاهد وتعطيل المساجد. ورووا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب ما لم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب، حتى صنف كبيرهم ابن النعمان كتاباً في "مناسك حج المشاهد"، وكذبوا فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته أكاذيب بدلوا بها دينه، وغيروا ملته، وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد، فصاروا جامعين بين الشرك والكذب"([1]).
وعلى ذلك يتضح أن الذين بذروا بذورَ شرك القبور كانوا شيعة، وهذا ما تؤكده لنا عالمة الآثار الدكتورة سعاد ماهر فهمي عندما تسرد أوائل الأضرحة ذات القباب، فتقول: ".. ويليها من حيث التاريخ: ضريح إسماعيل الساماني المبني سنة 296 هـ في مدينة بخارى، ثم ضريح الإمام رضي الله عنه في النجف الذي بناه الحمدانيون سنة 317 هـ، ثم ضريح محمد بن موسى في مدينة قم بإيران سنة 366 هـ ، ثم ضريح السبع بنات في الفسطاط سنة 400هـ ، وقد احتفظت لنا جبّانة أسوان بمجموعة كبيرة من الأضرحة ذات القباب التي يرجع تاريخ معظمها إلى العصر الفاطمي في القرن الخامس الهجري"([2]).
فبدايات تعظيم القبور واتخاذها مشاهد وأضرحة ارتبطت تاريخياً بأسماء: القرامطة، وبني بويه، والفاطميين "العبيديين"، والسامانيين، والحمدانيين.
وجميعهم شيعة وإن تفاوتوا في درجة الغلو .
كما أن مكانة القبور والأضرحة "المقدسة"! غير قابلة للمساومة في دين الشيعة؛ فطائفة البهرة الإسماعيلية من غلاة الرافضة ذات نشاط واسع في عمارة وتجديد المساجد ذات الأضرحة بحجة الاهتمام بالعمارة الإسلامية، وبخاصة في مصر.
والقبر الأول الذي يحظى بحج الجماهير في دمشق وهو القبر المنسوب إلى السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ما زال مكتوباً عليه إلى الآن: قام بعمارة البناية الضخمة عليه والمسجد حولها والقبة المزخرفة: محمد بن حسين نظام وأولاده من طائفة الشيعة.
وأيضاً فإن أصحاب الأضرحة الكبرى ممن ينسب إلى التصوف هم في الحقيقة من غلاة الشيعة الباطنية؛ حيث من العراق انطلق أحد أتباع الرفاعي إلى مصر، وهو أبو الفتح الواسطي جد إبراهيم الدسوقي لنشر دعوتهم الباطنية بها، وقد كان ذلك في العهد الأيوبي، وبعد موت الواسطي جاء البدوي ليخلفه في دعوته تلك، وقد توزع هؤلاء الدعاة في مصر، فكان الدسوقي بدسوق وأبو الحسن الشاذلي بالإسكندرية، و أبو الفتح الواسطي ما بين القاهرة وطنطا والإسكندرية، ولما مات الواسطي حل محله البدوي بطنطا، وجميعهم من فلول العبيديين الذين طردهم صلاح الدين الأيوبي من مصر، ثم حاولوا العودة تحت ستار التصوف والزهد.
كما أن كلاّ من ابن بشيش وابن عربي قد تتلمذا على يد أبي مدين بالمغرب.
وفي أواخر عهدهم أنشأ الفاطميون المشهد الحسيني عام 550هـ عندما شعروا بأن سلطتهم قد ضعفت ليجذبوا إليهم المصريين، وعهدوا إلى ابن مرزوق القرشي (564هـ) تربية مريدي الصوفية، فانتظم أتباعه في طوائف وطرق لنشر الدعوة الشيعية؛ إلا أن هذه التنظيمات انهارت بانهيار الدولة الفاطمية وتحول المشهد الحسيني إلى ضريح صوفي([3])

تعليقات