فتاوى اسلاميه


حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
س : هل يحل للمسلمين أن يحتفلوا في المسجد ليتذكروا السيرة النبوية الشريفة في ليلة 12 ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي الشريف بدون أن يعطلوا نهاره كالعيد ؟ واختلفنا فيه ، قيل بدعة حسنة ، وقيل بدعة غير حسنة ؟
الجواب : ليس للمسلمين أن يقيموا احتفالا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة 12 ربيع الأول ولا في غيرها ، كما أنه ليس لهم أن يقيموا أي احتفال بمولد غيره عليه الصلاة والسلام . لأن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته صلى الله عليه وسلم وهو المبلِّغ للدين ، والمشرع للشرائع عن ربه سبحانه ولا أمر بذلك ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه جميعا ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة . فعُلم أنه بدعة وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته ، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري جازما بها " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .
والاحتفال بالموالد ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مما أحدثه الناس في دينه في القرون المتأخرة فيكون مردودا ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبته يوم الجمعة : " أما بعد : " فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " رواه مسلم في صحيحه وأخرجه النسائي بإسناد جيد ، وزاد " وكل ضلالة في النار " ، ويغني عن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تدريس الأخبار المتعلقة بالمولد ضمن الدروس التي تتعلق بسيرته عليه الصلاة والسلام وتاريخ حياته في الجاهلية والإسلام في المدارس والمساجد وغير ذلك ، من غير حاجة إلى إحداث احتفال لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يقم عليه دليل شرعي .. والله المستعان ونسأل الله لجميع المسلمين الهداية والتوفيق للاكتفاء بالسنة والحذر من البدعة .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 42 / الأجر على التلاوة لا يجوز وعلى التعليم جائز
س : إن بعض حملة القرآن عندنا في المغرب يقرءونه من أجل التكسب على ما يظهر ، وكلما أعدّت لها وليمة يأتون ويقرءونه من غير تمعن في ألفاظه واحترام لتلاوته ، فأول ما يحرصون عليه أثناء حضورهم في هذه الوليمة هو أخذ الأجرة وجمع الصدقات من الناس ليتبركبوا بهم ، وبعد جمعهم لتلك الصدقات يقسمونها بينهم ولا ينال منها أي فقير أومسكين شيئا ، فما حكم الشريعة  الإسلامية في الصدقات التي يجمعونها ويفرقونها بينهم وتلك القراءة التي يستعملونها ؟ ولقد عثرت في كتاب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من استعملالقرآن من أجل التكسب سيأتي يوم القيامة ووجهه عظم " . أي خال من اللحم ، فهل هذا الحديث صصحيح أم لا ؟ وما معنى الآية الكريمة : [ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ] ؟ .
ج : أولاً : قراءة القرآن عبادة محضة ، وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه ، والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله ، وطلباً للمثوبة عنده ، فلا يبتغي بها من المخلوق جزاءً ولا شكوراً ، ولهذا لم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرؤون القرآن في حفلات أو ولائم ، ولم يُؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه ، ولم يعرف أيضاً عن أحد منهم أنه أخذ أجرة على تلاوة القرآن ، لا في الأفراح ولا في المآتم ، بل كانوا يتلون كتاب الله رغبة فيما عند الله سبحانه . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن أن يسأل به ، وحذر من سؤال الناس ، روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل ؛ فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قرأ القرآن فليسأل الله به ، فإنه سيجيء أقوام يقرؤن القرآن يسألون به الناس " ، وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعد لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه ؛ لحديث أبي سعيد في أخذه قطيعاً من الغنم جُعلاً على شفاء من رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بتعليمه إياها ما معه من القرآن ، فمن أخذ أجراً على نفس التلاوة أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم .
ثانيا : القرآن كلام الله تعالى ، وفضله على كلام الخلْق كفضل الله على عباده . وهو خير الأذكار وأفضلها ، وينبغي لقارئه أن يكون مؤدبا في تلاوته ، خاشعاً مخلصاً قلبه لله ، محكماً لتلاوته ، متدبراً لمعانيه حسب قدرته ، وألا يتشاغل عنها بغيرها ، وألا يتكلّف ولا يتقعر فيها ، وألا يرفع صوته فوق الحاجة .
وينبغي لمن حضر مجلساً يُقرأ فيه القرآن أن ينصت ويستمع للقراءة ويتدبر معانيها ، فلا يلغو ولا يتشاغل عنها بالحديث مع غيره ، ولا يُشوّش على القارىء ولا على الحاضرين . قال الله تعالى : [ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ] .
ثالثاً : الناس متفاوتون في أفكارهم وأفهامهم . وكل مكلف عليه أن يعرف من وأحكام الشريعة بقدر ما آتاه الله من الفهم وسعة الوقت ، ليعمل به في نفسه ويرشد به غيره ، ومن أول ما ينبغي له أن يتفهّمه ويلقي إليه باله ويحضر له قلبه : كتاب الله سبحانه ، وما عجز عن فهمه بنفسه استعان فيه بالله ثم بالعلماء حسب طاقته ومقدرته ، ثم لا حرج عليه بعد ذلك ، فإن الله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ولا يمنعه من تلاوة القرآنعجزه عن فهمه بعد أن بذل وُسعه ، ولا يعاب بذلك لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الماهر في القرآن مع السَّفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتعتع في وهو عليه شاقٌّ له أجران " .
رابعاً : يجوز للفقير أن يأخذ من الصدقات ما يسد حاجته وحاجة من يعول ، ويُسنُّ له أن يدعو بالخير لمن تصدق عليه ؟ أمَّا أخْذ المال على أنه أجرة لتلاوة القرآن ، أو لكونه وعظهم وذكّرهم ، أو إعطاؤه لشخص رجاء بركته ، أو جمعه لأشخاص رجاء بركتهم ، واستجداءً لدعائهم ، فهو غير جائز ، ولم يكن ذلك من هدي المسلمين في القرون الثلاثة الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها خير القرون .
خامساً : معنى قوله تعالى : [ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ] . إن الله تعالى أمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه بأنه لا يطلب منهم أجراً على تبليغهم ما أُنزل إليه من ربه . ودعوته إياهم إلى التوحيد الخالص وسائر أحكام الإسلام ، إنما يقوم بالبلاغ والبيان للأمة ، تنفيذاً لأمر الله وطاعته له ابتغاء مرضاته وحده ، ورجاء المثوبة والأجر الكريم منه سبحانه دون سواه . وذلك ليُزيل ما قد يكون في نفوس المشركين من ظنون وأوهام كاذبة ، من أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى اتّباعه فيما شرع الله لهم ، ليكتسب بذلك أو ينال رئاسة في قومه ، فبيّن لهم أن دعوته إياهم على الحق خالصة لوجه الله الكريم .
وهكذا جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يَسألون الناس أجراً على دعوتهم إياهم ، وقد تقدم في الفقرة الأولى من الجواب في حديث عمران بن حصين في التحذير من التكسب بالقرآن وسؤال الناس به . أما السؤال عن عقوبته يوم القيامة بتساقط لحم وجهه فذلك وعيد لكل مَن سأل الناسَ وهو في غير حاجة تضطره إلى المسألة ، سواء كان بقراءة القرآن أو بدون قراءته ؛ فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم " . وفي رواية عنه : " ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم " . متفق عليهما . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سأل الناس أموالهم تكثُّراً ، فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر " . رواه مسلم . فمن سأل الناس بالقرآن ، صدق فيه حديث عمران إن كان فقيراً ، أما إن كان غنيًّا فقد صدقت فيه هذه الأحاديث كلها ، أما لفظ الحديث الذي ذكرته في السؤال فلا نعلم صحته بهذا اللفظ الذي ذكرته . والله أعلم
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 45 / هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي ؟
س : ما الحكم في قوم يزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ، ويقولون أن الصحابة رضي الله عنهم تآمروا عليه ؟
ج : هذا القول لا يعرف عن أحد من طوائف المسلمين سوى طائفة الشيعة ، وهو قول باطل ولا أصل له في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما دلت الأدلة الكثيرة على أن الخليفة بعده هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه عنه ، وعن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم ينص على ذلك نصا صريحا ولم يوص به وصية قاطعة ولكنه أمر بما يدل على ذلك حيث أمره بأن يؤم الناس في مرضه ، ولما ذكر له أمر الخلافة بعده قال عليه الصلاة والسلام : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " . ولهذا بايعه الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومن جملتهم علي رضي الله عنه ، وأجمعوا على أن أبا بكر أفضلهم ، وثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ) ويُقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك . وتواترت الآثار عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ) . وكان يقول رضي الله عنه : ( لا أوتى بأحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري ) . ولم يدِّع يوما لنفسه أنه أفضل الأمة ولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى له بالخلافة ، ولم يقل أن الصحابة رضي الله عنهم ظلموه وأخذوا حقه . ولما توفيت فاطمة رضي الله عنها بايع الصديق بيعة ثانية تأكيدا للبيعة الأولى ، وإظهارًا للناس أنه مع الجماعة وليس في نفسه شيء من بيعة أبي بكر رضي الله عنهم جميعا ولما طُعن عمر وجعل الأمر شورى بين ستة من العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن جملتهم علي رضي الله عنه لم ينكر على عمر ذلك لا في حياته ولا بعد وفاته ، ولم يقل أنه أولى منهم جميعا فكيف يجوز لأحد من الناس أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول إنه أوصى لعلي بالخلافة ، وعلي نفسه لم يدِّع ذلك ولا ادعاه أحد من الصحابة له ، بل قد أجمعوا على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان واعترف بذلك علي رضي الله عنه وتعاون معهم جميعا في الجهاد والشورى وغير ذلك ، ثم أجمع المسلمون بعد الصحابة على ما أجمع عليه الصحابة فلا يجوز بعد هذا لأي أحد من الناس ولا لأي طائفة لا الشيعة ولا غيرهم أن يدعوا أن عليا هو الوصي وأن الخلافة التي قبله باطلة ، كما لا يجوز لأي أحد من الناس أن يقول إن الصحابة ظلموا عليا وأخذوا حقه ، بل هذا من أبطل الباطل ومن سوء الظن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملتهم علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين .
وقد نزه الله هذه الأمة المحمدية وحفظها من أن تجتمع على ضلالة ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة أنه قال : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة " . فيستحيل أن تجتمع الأمة في أشرف قرونها على باطل وهو خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر كما لا يقوله من له أدنى بصيرة بحكم الإسلام .
*   *   *
ص 46 / لا صلاة في حجرة القبور
س : جادلتُ بعض الذين يُفتون بإباحة الصلاة في المقبرة ، وفي المسجد الذي فيه قبر أوقبور ، فدحضت شبههم بالأحاديث الصحيحة الصريحة ، غير أنهم قالوا : أين كانت عائشة رضي الله عنها تصلي بعد أن دفن في بيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وهل كان قبره في داخل بيتها أم خارجه ؟ وقالوا أيضا : كيف وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المسجد الحرام ، وقد دفنت فيه هاجر زوج إبراهيم عليه السلام وبعض الأنبياء ؟ وعلى هذا فإني ألتمس منك يا فضيلة الشيخ أن تخبرني هل صحيح ما ذكروا من وجود هاجر في البيت الحرام وبعض الأنبياء, وهل صحيح أن عائشة كانت تصلي في بيتها وقد قُبر فيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجود قبر هاجر وبعض الأنبياء في المسجد الحرام ؟
ج : ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته الذي لم يَقم منه : "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، قالت عائشة رضي الله عنها : ( يـُحذّر ما صنعوا, ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يُتخذ مسجدا ). وفي رواية : ولكن خشي أن يتّخذ مسجدا ، وفي رواية للبخاري : غير أني أخشى أن يتّخذ . وبهذا يعلم أن المساجد المبنية على القبور لا تجوز الصلاة فيها وبناؤها محرم .
وأما ما جاء في السؤال من قول السائل: أين كانت عائشة رضي الله عنها تصلي بعد أن دفن في بيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره , في داخل بيتها أم خارجه؟
فالجواب : أن عائشة رضي الله عنها ممن روى الأحاديث الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد , وهذا من حكمة الله جل وعلا . وبهذا يعلم أنها ما كانت تصلي في الحجرة التي فيها القبور, لأنها لو كانت تصلي فيها لكانت مخالفة للأحاديث التي روتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يليق بها وأما كون هاجر مدفونة بالمسجد الحرام أو غيرها من الأنبياء فلا نعلم دليلا يدل على ذلك .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 47 / الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع بالجن
س : هل ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , اجتمع الجن ؟
ج : نعم ثبت ذلك بالسنة الصحيحة , فقدأخبر عليه الصلاة والسلام الصحابة بذلك وأراهم آثارهم . وارجع لتفسيرابن كثير , رحمه الله , لقوله تعالى في سورة الأحقاف: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ } . الآيات ، ولسورة الرحمن  ، وسورة الجن ، وستجد الجواب عن ذلك مفصلا .
اللجنة الدائمة
*   *   *
إبليس يعيش بيننا إلى اليوم
س: هل إبليس – لعنه الله – حي حتى الآن أم أنه قد مات ؟ وهل يدفن الجن موتاهم كالبشر ؟
ج : ذكر الله تعالى أن إبليس طلب الإنظار فأُعْطِيه , كما في قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ . إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } فهو حي عائش إلى اليوم المعلوم الذى أذن الله فيه بهلاكه وهو آخر الدنيا ، فأما الجن فهم أرواح مستغنية عن أجسام تقوم بها , وهم أيضا يموتون ودفنهم على حسب ما هم فيه . لانعلم كيفية صورهم ولا موتهم ولا دفنهم فإنهم ليسوا من جنس البشر . والله أعلم .
*   *   *
حقيقة السحر
س: هل السحر حق ؟
ج: نعم له حقيقة , وحقيقته أن السحرة يعبدون الشياطين ويطيعونهم , وهم يساعدونهم على ما يريدون , والله تعالى قد أعطى الشياطين من القدرة ما يزاولون به أعمالاً غريبة .
الشيح ابن جبرين
*   *   *
ص 48 / حكم التوسل إلى الله بالأولياء والصالحين
هل يجوز للمسلم أن يتوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين ، فقد وقفت على قول بعض العلماء : أن التوسل بالأولياء لا بأس به ; لأن الدعاء فيه موجه إلى الله ، ورأيت لبعضهم خلاف ما قال هذا ، فما حكم الشريعة في هذه المسألة ؟
ج : الولي كل من آمن بالله واتقاه بفعل ما أمره سبحانه وتعالى وترك ما نهاه عنه ، قال تعالى : {
 أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } والتوسل إلى الله بأوليائه أنواع :
الأول : أن يطلب إنسان من الولي الحي أن يدعو الله له بسعة رزق ، أو شفاء من مرض ، أو هداية وتوفيق ونحو ذلك ، فهذا جائز ، ومنه طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم حينما تأخر عنهم المطر أن يستسقي لهم ، فسأل صلى الله عليه وسلم ربه أن ينزل المطر ، فاستجاب دعاءه وأنزل عليهم المطر ، ومنه استسقاء الصحابة بالعباس في خلافة عمر رضي الله عنهم ، وطلبهم منه أن يدعوَ الله بنزول المطر فدعا العباس ربه وأمَّن الصحابة على دعائه ، إلى غير هذا مما حصل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده من طلب مسلم من أخيه المسلم أن يدعو له ربه لجلب نفع أو كشف ضر .
الثاني : أن ينادي الله متوسلا إليه بحب نبيه واتباعه إياه وبحبه لأولياء الله ، بأن يقول : اللهم إني أسألك بحبي لنبيك واتباعي له وبحبي لأوليائك أن تعطيني كذا ، فهذا جائز ; لأنه توسل من العبد إلى ربه بعمله الصالح ، ومن هذا ما ثبت من توسل أصحاب الغار الثلاثة بأعمالهم الصالحة .
الثالث : أن يسأل الله بجاه أنبيائه أو ولي من أوليائه بأن يقول : ( اللهم إني أسألك بجاه نبيك أو بجاه الحسين ) مثلا ، فهذا لا يجوز ؛ لأن جاه أولياء الله وإن كان عظيما عند الله وخاصة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، غير أنه ليس سببا شرعيا ولا عاديا لاستجابة الدعاء ؛ ولهذا عدل الصحابة حينما أجدبوا عن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء إلى التوسل بدعاء عمه العباس ، مع أن جاهه عليه الصلاة والسلام فوق كل جاه ، ولم يُعرف عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم توسلوا به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وهم خير القرون وأعرف الناس بحقه وأحبهم له .
الرابع : أن يسأل العبد ربه حاجته مقسما بوليه أو نبيه أو بحق نبيه أو أوليائه بأن يقول : ( اللهم إني أسألك كذا بوليك فلان أو بحق نبيك فلان  )، فهذا لا يجوز ، فإن القسم بالمخلوق على المخلوق ممنوع ، وهو على الله الخالق أشد  منعا ، ثم لا حق لمخلوق على الخالق بمجرد طاعته له سبحانه حتى يقسم به على الله أو يتوسل به هذا هو الذي تشهد له الأدلة ، وهو الذي تُصان به العقيدة الإسلامية وتسد به ذرائع الشرك .
*   *    *
حكم قولهم : كلما زادت الرعاية الصحية قلّ عدد الوفيات
أطلعت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على السؤال المقدم إليها , ونصه : ( بمطالعتي لمجلة الدعوة العدد 778 وتاريخ 22 /2 / 1401 هـ الصفحة 32 وجدت أن الكاتب لما ورد في تلك الصفحة ذكر جملة : إنه مما لاشك - كما سبق أن أوضحنا  - أنه كلما زادت الرعاية الصحية قل عدد الوفيات وزاد عدد السكان  .
وأقول أمام هذا أن الرعاية الصحية لها دورها الفعال في صحة الأبدان ومكافحة بعض الأمراض , إلا أن تلك الرعاية لا دخل لها في الآجال , حيث ذلك في علم الله وتحت تصرفه . ومحدودة الآجال كما قال تعالى :{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }لذلك رأيت أنا وهناك الكثير من أمثالي يرغب في إيضاح ذلك بشكل أوسع , هل للرعاية الصحية دور في تأخير الآجال كما قال الكاتب ؟ وإذا كان لا, وأن الآية أعلاه تعطي الدليل القاطع من ذلك ولم تنسخ , فأرجو إيضاح ذلك .
وأجابت بما يلي : مضت سنة الله تعالى في خلقه أن يربط المسببات بأسبابها , فربط إيجاده النسل بالجماع وإنباته الزرع ببذر الحبوب بالأرض وسقيها , والإحراق بالنار , والإغراق أو البلل بالماء , إلى غير ذلك من الأسباب ومسبباتها : قال تعالى :{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ  } وقال : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } وقال : { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ . رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } . وقال : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } . فهذه الآيات وأمثالها تضمنت أسبابًا مادية ومسببات معنوية ومادية , ربط الله بينهما ، وجعل الأولى سببا في الثانية ، وكلاهما من خلق الله تعالى وبقضائه وقدره ، وهناك أسباب معنوية أنشأها بها وهو قادر على أن يخلق المسببات بدون أسبابها ، لكنه سبحانه جرت سنته أن يخلق هذه بتلك ، ويوجدها بها لحكمة يعلمها ، قال تعالى : { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ . أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ . وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } وقال عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام في دعوته لقومه : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } وقال عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام في دعوته قومه : { قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ . يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وقال تعالى عن رسله عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم لأممهم : { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } .
وقد ذكر سبحانه أنّ جماعة من المنافقين قالوا عن إخوانهم الذين قتلوا في غزوة أحد : { لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا } فأمر سبحانه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم , أن يقول لهم : { لَوْكُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } فبين أن قتل النفس مرهون بسببه , وأن القتيل ميت بأجله لا قبله ولا بدون سبب ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : " من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه " . ( رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي )      
وعلى هذا ( فللرعاية الصحية دورها الفعال في صحة الأبدان , ومكافحة الأمراض ) كما قال السائل , لكن بإذن الله وتقديره على ماسبق في علمه تعالى , وبجعله تلك الرعاية سبباً لنتائجها وترتيبه مسبباتها عليها بقضائها وقدره حسبما سبق في علمه تعالى, فتبين بهذا أن للأسباب دخلا في مسبباتها من جهة جعل الله لها سببا, ومن جهة أمره سبحانه بالأخذ بها رجاء أن يرتب الله مسبباتها عليها . لامن ذاتها ولا بتأثيرها استقلالاً في نتائجها ، بل بجعْل الله لها مؤ ثرة  ، ولو شاء الله أن يسلبها خواصَّها التي أودعها فيها لفعل ، كما وقع في سلبه النار خاصَّتَها فلم تحرق خليليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، بل كانت برداً  وسلاماً عليه ، وفي سلبه خاصة السيولة والإغراق من ماء البحر حتى مرَّ موسى عليه الصلاة والسلام وقومه بأمن وسلام ، ورد تلك الخاصة إليه عند مررور فرعون ومن معه فأغرقهم ، والمسببات مرهونه بأسبابها قضاءً وقدراً ، حتى الآجال طولاً وقصراً مع الرعاية والإهمال على مقتضى ما سبق في علمه تعالى ، فقول السائل : إن الرعاية لا دخل لها في الآجال ، ليس بصحيح على وجه الإطلاق ، فإن لها دخلاً في ذلك على ما تقدم بيانه . وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم
*   *   *
حكم الصدقة وقراءة القرآن للأحياء والأموات

 

س: هل يجوز للشخص أن يتصدق عن والديه وهم أحياء ، وهل له أن يقرأ عنهم القرآن ، وإذا كان كذالك فهل تكفي النية وحدها عن الصدقة أو القراءة ؟!
الجواب : تجوز الصدقة عن الوالدين وغيرهما من الأحياء والأموات ، وتكفي فيها النية بالقلب ؛ فإن تَلَفَّظ بقوله : اللهم تَقَبَّل هذه الصدقة عن والدي فلاباس . ويُسَن الدعاء للوالدين والأقربين والمسلمين والاستغفار لهم ونحو ذلك . فأما قراءة القرآن وتثويبه لهم فأجازه الأكثرون ، لكنه غير مأثور؛ فلا ينبغي اعتباره ، والأكثر منعه لعدم النصوص في ذلك ، فإن فعله أحياناً فلا يُنكر عليه .
*   *   *
حكم بيع الرقى والعزائم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، على السؤال المقدم من سعادة وكيل الداخلية ، إلى سماحة الرئيس العام ونصه :
(تقدم المدعوع . م . ز لإمارة المنطقة الرياض للسماح له ببيع الرقى والعزائم في السوق ، وإن هيئة الأمربالمعروف والنهي عن المنكر طلبت منه الحصول على تصريح من الإمارة ، وقد رفعت إلينا الإمارة باقتراح إعطاء التصاريح من سماحتكم بعد الاقتـناع من الشخص طالب الترخيص وعمل الضوابط والقواعد التي تحمي الموطنين من الاستغلال . آمل بموافاتنا بمرئياتكم في هذا الشأن ، وإمكانية منح التصاريح لمن تتوافر فيهم الشروط التي يتم وضعها في هذا الشأن . ولسماحتكم تحياتنا ) .  
وأجابت بما يلي :
سبق أن صدرت فتوى في منع كتابة قرآن أو أذكار نبوية أو نحوها في ورق أو طبق مثلاً ،        ثم مَحْوها بماء ونحوه ليشربه المريض أملاً في الشفاء من مرضه ، وأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ، رضي الله عنهم فيما نعلم ، أنهم فعلوا ذلك ، والخير كل الخير في اتّباع هديه ، صلى الله عليه وسلم ، وهدي خلفائه وما كان عليه سائر أصحابه ، رضي الله عنهم ، وفيما يلي نص الفتوى : ( أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية مالم تكن شركًا أو كلامًا لا يُفهم معناه ؛ لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك ، قال : كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : " اعرضوا عليّ رقاكم لابأس بالرقى مالم تكن شركًا " . وقد أجمع العلماء على جواز الرقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفًا مع اعتقاد أنها سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله تعالى ، أمَّا تعليق شيء بالعنق أوربطه بأي عضو من أعضاء الشخص فإ ن كان من غير القرآن فهو محرم بل شرك ، لما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن الحصين،  رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً في يده حلقه من صفر . فقال : ما هذا ؟ قال : من الواهنة . فقال : " انزعها فإنَّها لا تزيدك إلا وهنًا ، فإنك لو متَّ وهي عليك ما أفلحت أبدًا "  . وما رواه عن عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم ، قال : " من تعلَّق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق وَدَعة فلا وَدع الله له " . وفي رواية لأحمد أيضًا : " من تعلق تميمة فقد أشرك " .وما رواه أحمد وأبوداود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول :  " إن الرقى والتائم والتِّولة شرك ". وإن كان ما علقه من آيات القرآن فالصحيح أنه ممنوع أيضًا ، لثلاثة أمور : الأول عموم أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم ، بالنهي عن تعليق التمائم ولا مُخصص لها . الثاني : سد الذَّريعة فإنه يُفضي إلى تعليق ما ليس كذلك . الثالث : أن ما علق من ذلك يكون عرضة للامتهان بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء والجماع ونحو ذلك . وأما كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس ، وغسله بماء أو زعفران وغيرهما وشرب تلك الغسالة ، رجاء البركة أو استفادة علم أو كسب مال أو صحة أو عافية ونحو ذلك ، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه فعله لنفسه أو غيره ولا أنه أذِن فيه لأحد من أصحابه أو رخّص فيه لأمته ؛ مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك ، ولم يثبت في أثر صحيح - فيما علمنا – عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، أنه فعل ذلك أو رخَّص فيه . وعلى هذا  فالأولى تركه وأن يُستغنى عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى ، وما صحَّ من الأذكار والأدعية النبوية ونحوها مما يعرف معناه ولا شائبة للشرك فيه ، وليتقرب إلى الله تعالى بما شرع رجاء المثوبة وأن يفرج الله كربته ويكشف غمته ويرزقه العلم النافع ، ففي ذلك الكفاية ومن استغنى بما شَرَع الله أغناه الله عما سواه . والله الموفق . وعلى هذا ينبغي ألاّ يُعطَي هذا الرجل تصريحا ببيع ما ذكر من الرقى والعزائم، بل يمنع من بيعها وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص53 / إبليس هل هو من الملائكة ؟
س: إبليس - لعنه الله - هل هو من الملائكة أم من جنس آخر ، و إذا كان من جنس آخر فما وجه الاستثناء في قوله تعالى : {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ } ؟
ج: لا يخفى أن الملائكة جنس من مخلوقات الله ، خلقهم الله من نور ، لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأما إبليس فقد ذكر الله تعالى أنه من الجن ، قال تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ   }. وذكر تعالى عنه قوله في تبرير امتناعه عن السجود لآدم : {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ  }. أما وجه الاستثناء في قوله تعالى : { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ } فهو استثناء منقطع كقول القائل : جاء القوم إلاحماراً ، وهناك من أهل العلم من يقول بأن إبليس - لعنه الله  - من جنس الملائكة إلاّ أنه عصى الله تعالى ، وأصرَّ على التمرد والعصيان ، فحقت عليه لعنة الله  إلى يوم القيامة. . وبالله التوفيق . وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .  
اللجنة الدائمة
*   *   *
سؤال العراف والكاهن لا يجوز
س : كان والدي مريضًا مرضًا نفسيًّا ، وطالت معه مدة المرض ، وتخلل ذلك مراجعة للمستشفى ، لكن أشار علينا بعض الأقرباء بأن نذهب إلى امرأة قالوا أنها تعرف علاجًا لمثل هذه الأمراض ، وقالوا أيضًا : أعطوها الاسم فقط وهي تخبركم بما فيه وتصف له الدواء. فهل يجوز لنا أن نذهب لهذه المرأة ؟ أفيدونا جزاكم الله .
ج : هذه المرأة وأشباهها لا يجوز سؤالها ولا تصديقها ، لأنها من جملة العرّافين والكهنة الذين يدَّعون علم الغيب ويستعينون بالجن في علاجهم وأخبارهم .
وقد صح عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " . أخرجه مسلم في صحيحه . وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من أتى عرافا أو كاهناً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " والأحاديث في هذا  المعنى كثيرة ، فالواجب الإنكار على هؤلاء ومن يأتيهم ، وعدم سؤالهم وتصديقهم والرفع عنهم إلى ولاة الأمور حتى يعاقَبوا بما يستحقون لأن تركهم وعدم الرفع عنهم يضر المجتمع ، ويساعد على اغترار الجهال بهم وسؤالهم وتصديقهم 0 وقد قال النبي صلي الله عليهم وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان " رواه مسلم في صحيحه ولا شك أن الرفع عنهم إلى ولاة الامر ، كأمير  البلد وهيئة الأمر بالمعروف والمحكمة ، ومن جملة الإنكار عليهم باللسان ومن التعاون على البر والتقوى وفق الله المسليمن جميعا لما فيه صلاحتهم وسلامتهم من كل سوء .
*   *   *
حكم الحلف بالنبي
س: اعتاد بعض الناس الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصبح الأمر عاديا عندهم ، ولا يعتقدون ذلك اعتقادا ، فما حكم ذلك ؟
ج: الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، أو غيره من المخلوقات منكر عظيم ، ومن المحرمات الشركية ، ولا يجوز لأحد الحلف الا بالله وحده وقد حكى الأمام ابن عبد البر – رحمه الله -الإجماع على أنه لا يجوز الحلف بغير الله . وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي عن ذلك وأنه من الشرك ، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إن الله ينهاكم ان تحلفوا بأبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " . وفي لفظ آخر : فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت . وخرج أبو داود والترمذي ، بإسناد صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من حلف بغير الله فقد كفر او اشرك " وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من حلف بالأمانة فليس منا " والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة والواجب على جميع المسلمين ألا يحلفوا إلا بالله وحده ، ولا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله كائناً من كان ، للأحاديث المذكورة وغيرها ويجب على من اعتاد ذلك أن يحذره وأن ينهى أهله وجلساءه وغيرهم عن ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ". والحلف بغير الله من الشرك الأصغر ، للحديث  السابق  ، وقد يكون شركاً أكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به ، يستحق التعظيم كما يستحقه الله ، أو أنه يجوز أن يعبد مع الله ونحو ذلك من المقاصد الكفرية .. نسأل الله أن يمن على المسلمين جميعاً بالعافية من  ذلك ، وأن يمنحهم الفقه في دينه والسلامة من أسباب غضبه إنه سميع قريب .
الشيخ ابن باز
*   *   *
حكم تقاضي أجر عن تلاوة القرآن
س : نشاهد في كثير من بلاد المسلمين استئجار قارىء يقرأ القرآن ، فهل يجوز للقارىء أن يأخذ أجراً على قراءته ، وهل يأثم من يدفع له الأجر على ذلك ؟
أجابت اللجنة : قراءة القرآن عبادة مَحْضة ، وقربة يتقرب بها البعبد إلى ربه والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله وطلبا للمثوبة عنده ،  لا يبتغى بها المخلوق جزاءً ولا شكوراً ، ولهذا لم يُعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرءون القرآن للأموات أو في الولائم والحفلات ، ولم يؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه 0 ولم يعرف أيضاً عن أحد منهم أنه أخذ أجرأ على تلاوه القرآن ، بل كانوا يتلونه رغبأ فيما عند الله سبحانه وتعالى وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن أن يسأل الله به . وحذّر من سؤال الناس به . روى الترمذي في سنته عن عمران بن حصين أنه مر على قاص يقرأ ثم سأل فاسترجع ثم قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجىء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس " وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعد لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه لحديث أبى سعيد في أخذه قطعياً من الغنم جُعْلا على شفاء من رقاه بسوره الفاتحة وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ، امرأة لرجل بتعليمه إياها بما معه من القرآن الكريم ، فمن أخذ أجرا على نفس التلاوه أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف للسنة ولما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .
اللجنة الدائمة
*   *    *
ظهور المهدي
س: ما رأي سماحتكم في الشخص الموعود بظهوره وهو المهدي ، هل هناك أحاديث تثبت ذلك ؟ أرجو التوضيح حول ذلك
ج: الأحاديث التي دلت على خروج المهدي كثيرة ، وردت من طرق متعددة ورواها عدد من أئمة الحديث ، وذكر جماعة من أهل العلم أنها متواترة تواتراً معنويا ، منهم أبو الحسن الآجري من علماء المائة الرابعة والعلامة السفاريني في كتابه " لوامع الأنوار البهية " والعلامة الشوكاني في رسالة سماها " التوضيح في تواتر أحاديث المهدي والدجال والمسيح " وله علامات مشهورة مذكورة في الأحاديث ، وأهمها أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت جورا وظلما ، ولا يجوز لأحد أن يجزم بأن فلا بن فلان هو المهدي حتى تتوافر العلامات التي بينها  النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة وأهمها ما ذكرنا وهو كونه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً .. الحديث . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
*   *   *
الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه والصلاة عليه
س1: في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: أكان النبي صلى الله عليه وسلم حيا في قبره الشريف بإعادة الروح في الجسد والبدن ( العنصرية ) بحياة دنيوية حسية ؟ . أو حيا في أعلى عليين بحياة أخروية برزخية بلا تكليف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: اللهم بالرفيق الأعلى، وجسده المنور الآن كما وضع في قبر بلا روح والروح في أعلى عليين. واتصال الروح بالبدن والجسد المعطر عند يوم القيامة، كما قال تعالى : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } .
ج1: إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل له بها التنعم في قبره بما أعده الله له من النعيم جزاء له على أعماله العظيمة الطيبة التي قام بها في دنياه، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، ولم تعد إليه روحه ليصير حيا كما كان في دنياه ولم تتصل به وهو في قبره اتصالا يجعله حيا كحياته يوم القيامة ، بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة، وبذلك يعلم أنه قد مات ، كما مات غيره ممن سبقه من الأنبياء وغيرهم ، قال الله تعالى : {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } وقال : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }  وقال : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} إلى أمثال ذلك من الآيات الدالة على أن الله قد توفاه ؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه ، ولو كان حيا حياته الدنيوية ما فعلوا به ما يفعل بغيره من الأموات ، ولأن فاطمة رضي الله عنها قد طلبت إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها بموته ، ولم يخالفها في ذلك الاعتقاد أحد من الصحابة ، وقد أجابها أبو بكر رضي الله عنه : بأن الأنبياء لا يورثون ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه، وتم ذلك بعقد الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه ، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما فعلوا ذلك ، فهو إجماع منهم على موته، ولأن الفتن والمشاكل لما كثرت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما، وقبل ذلك وبعده لم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج من تلك الفتن والمشكلات وطريقة حلها، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما أهملوا ذلك وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء .
س2 : هل يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كل دعاء ونداء عند قبره الشريف أو صلوات خاصة حين يصلى عليه ، كما في الحديث من صلى علي عند قبري سمعته إلى آخر الحديث. أهذا الحديث صحيح أو ضعيف أو موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ج 2: الأصل أن الأموات عموما لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم ، كما قال تعالى : {
وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط، سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيدا عنه كلاهما سواء في ذلك؛ لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه ، وقال : ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "  لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " . أما حديث : من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي بعيدا بلغته فهو حديث ضعيف عند أهل العلم وأما ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم ، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء .
س 3 : نداء ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم في كل حاجة والاستعانة به في المصائب والنوائب من قريب - أعني: عند قبره الشريف - أو من بعيد أشرك قبيح أم لا؟
ج3 : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ونداؤه والاستعانة به بعد موته في قضاء الحاجات وكشف الكربات شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، سواء كان ذلك عند قبره أم بعيدا عنه، كأن يقول: يا رسول الله، اشفني، أو رد غائبي، أو نحو ذلك .
س4: أي صلوات أفضل عند قبره الشريف، أعني : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، أو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد بصيغة الطلب ، وهل ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل الذي يصلي عليه عند قبره الشريف، وهل أخرج النبي صلى الله عليه وسلم يده من قبره الشريف لأحد من الصحابة العظام أو للأولياء الكرام لجواب السلام ؟
ج4: (أ) لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما نعلم - صيغة معينة في الصلاة والسلام عليه عند قبره ، فيجوز أن يقال عند زيارته : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ، فإن معناها : الطلب والإنشاء وإن كان اللفظ خبرا ، ويجوز أن يصلي عليه بالصلاة الإبراهيمية ، فيقول : اللهم صل على محمد .. إلخ ..

(ب) لم يثبت في كتاب ولا في سنة صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى من زار قبره ، والأصل : عدم الرؤية حتى يثبت ذلك بدليل من الكتاب أو السنة.
(جـ) الأصل في الميت نبيا أو غيره : أنه لا يتحرك في قبره بمد يد أو غيرها ، فما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج يده لبعض من سلم عليه وقال له : ( امدد يمينك كي تحظى بها ) غير صحيح ، بل هو وهم وخيال لا أساس له من الصحة . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم .
*   *   *
حكم الحلف بغير الله
س : ماحكم الحلف بغير الله ، هل هو شرك أم لا ؟
ج : الحلف بغير الله من ملك أو نبي أو ولي أو مخلوق ما من المخلوقات محرم ؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه ، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " ، وفي رواية أخرى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " وكانت قريش تحلف بآبائها فقال : " لا تحلفوا بآبائكم " رواهما مسلم وغيره فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله، والأصل في النهي التحريم ، بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سما ه: شركا ، روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف بشيء دون الله فقد أشرك " رواه أحمد بسند صحيح ، ورواه الترمذي وحسنه ، وصححه الحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " ، وقد حمل العلماء ذلك على الشرك الأصغر ، وقالوا : إنه كفر دون الكفر الأكبر المخرج عن الملة والعياذ بالله ، فهو من أكبر الكبائر ، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا . ويؤيد ذلك ما رواه أبو هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من حلف منكم فقال في حلفه : باللات فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال لأخيه : تعال أقامرك فليتصدق " رواه مسلم وغيره فأمر صلى الله عليه وسلم من حلف من المسلمين باللات أن يقول بعد ذلك : لا إله إلا الله ، لمنافاة الحلف بغير الله كمال التوحيد الواجب ؛ وذلك لما فيه من إعظام غير الله بما هو مختص بالله وهو الحلف به ، وما ورد في بعض الأحاديث من الحلف بالآباء فهو قبل النهي عن ذلك جريا على ما كان معتادا في العرب في الجاهلية .
اللجنة الدائمة
محدثات الأمور
س: ما هي محدثات الأمور وما معناها ؟
ج: المراد بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم " إياكم ومحدثات الأمور " كل ما أحدثه الناس في دين الإسلام من البدع في العقائد والعبادات ونحوها مما لم يأت به كتاب ولا سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتخذوه دينا يعتقدونه ويتعبدون الله زعما منهم أنه مشروع وليس كذلك بل هو مبتدع ممنوع ، كدعاء من مات من الصالحين أو الغائبين منهم واتخاذ القبور مساجد والطواف حول القبور والاستنجاد بأهلها زعماً منهم أنهم شفعاء لهم عند الله ووسطاء في قضاء الحاجات وتفريج الكربات واتخاذ أيام موالد الانبياء والصالحين أعيادا يحتفلون فيها ويعملون ما يزعمونه قربا تخص ليلة المولد أو يومه أو شهره ، إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان ولا ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء منها ، ويتضح مما ذكرنا أن بعض المحدثات يكون شركا كالاستغاثة بالأموات والنذر لهم ، وأن بعضها يكون بدعةً فقط ولم تبلغ أن تكون شركاً كالبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها ما لم يغل في ذلك بما يجعله شركا ً .
اللجنة الدائمة

60 / حكم الترحم على الفاسق
س: مات أحد أقاربي وكان أثناء حياته فاسقاً إلا أنه يؤدي الصلاة ، فهل يجوز الترحم عليه والدعاء له بعد مماته ؟
ج : يجوز الدعاء له والرتحم عليه ما دام أنه يدين بالإسلام ويشهد الشهادتين ويصلي ويفعل شعائر الدين الظاهرة ، فهو أحق بالدعاء لذنوبه وما اقترف من السيئات رجاء أن تقبل فيه دعوة مسلم تمحو عنه ما اقترفه  .
الشيخ ابن جبرين
حكم الصلاة خلف من يستغيث بغير الله
س : هل يصح أن أصلي خلف من يستغيث بغير الله ويتلفظ بمثل هذه الكلمات " أغثنا يا غوث مدد يا جيلاني " وإذا لم أجد غيره فهل لي أن أصلي في بيتي .
ج : لا تجوز الصلاة خلف جميع المشركين ومنهم من يستغيث بغير الله ويطلب منه المدد . لأن الاستغاثة بغير الله من الأموات والأصنام والجن وغير ذلك من الشرك بالله سبحانه ، أما الاستغاثة بالمخلوق الحي الحاضر الذي يقدر على إغاثتك فلا بأس بها ، لقول الله عز وجل في قصة موسى : { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } وإذا لم تجد إماما مسلما تصلي خلفه جاز لك أن تصلي في بيتك ، وإن وجدت جماعة مسلمين يستطيعون الصلاة في المسجد قبل الإمام المشرك أو بعده فصل معهم ، وإن استطاع المسلمون عزل الإمام المشرك وتعيين إمام مسلم يصلي بالناس وجب عليهم ذلك لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شرع الله في أرضه ، إذا أمكن ذلك بدون فتنة .
الشيخ ابن باز
*    *     *
                                     61 / حكم من حكم بغير ما أنزل الله
س: هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفارا وإذا قلنا إنهم مسلمون فماذا نقول عن قوله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ؟
الجواب : الحُكام بغير ما أنزل الله أقسام ، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم ، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين ، وهكذا من يحكّم القوانين الوضعية بدلا من شرع الله ويرى أن ذلك جائز ، ولو قال : إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله . أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعا للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاصٍ لله بذلك وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر ويعتبر قد أتى كفرا أصغر وظلما أصغر وفسقا أصغر كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن طاووس وجماعة من السلف الصالح وهو المعروف عند أهل العلم . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

*    *     *
لا يجوز تخصيص علي ب ( عليه السلام )
س : أثناء اطلاعي على موضوعات كتاب : ( عقد الدرر في أخبار المنتظر ) ، في بعض الروايات المنقولة عن علي بن أبي طالب أجدها على النحو التالي : عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج رجل من أهل بيتي في تسع رايات " ما حكم النطق بهذا اللفظ أعني ( عليه السلام ) ، أو ما يشابهه لغير الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
ج : لا ينبغي تخصيص علي رضي الله عنه بهذا اللفظ ، بل المشروع أن يقال في حقه وحق غيره من الصحابة ( رضي الله عنهم ) أو رحمه الله لعدم الدليل على تخصيصه بذلك ، وهكذا قول بعضهم كرم الله وجهه فإن ذلك لا دليل عليه ولا وجه لتخصيصه بذلك ، والأفضل أن يعامل كغيره من الخلفاء الراشدين ولا يخص بشيء دونهم من الألفاظ التي لا دليل عليها .
الشيخ ابن باز
62 / حكم من يذبح للجن
س : : ما حكم من نشأ في بلده ولم يدرك شيئا إلا الصلاة ، بل أركان الإسلام الخمسة ويعمل بكل ، ولكنه يذبح للجن ويدعوهم عند حاجته ، ولكنه لا يعرف أن الشريعة تمنع ذلك هل هو معذور لجهله أم لا ؟ وهل يقال له : أنت مشرك ، قبل البيان ؟
ج : يجب على من عرف منه ذلك من أهل العلم بالتوحيد أن يبين له أن الذبح لغير الله من الجن أو غيرهم ؛ كالأنبياء والملائكة والأصنام شرك أكبر يخرج من الإسلام، وكذا دعاؤهم لقضاء الحاجات شرك أكبر يخرج من الإسلام أيضا ؛ لأن كلًّا منهما عبادة يجب الإخلاص فيها لله وحده ، فصرفها لغير الله شرك أكبر . قال الله تعالى :{
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ . قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } الآية . وقال : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ . وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ } الآية، وقال : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لعن الله من ذبح لغير الله الحديث. وإن أصر على الذبح للجن ودعائهم لقضاء الحاجة فهو مشرك شركا أكبر ولا عذر له ؛ لقيام الحجة عليه بالكتاب والسنة ويقال له : كافر مشرك شركا أكبر.
ص 62 / هل تعود الحياة إلى الميت في القبر
          الحمد الله والصلاة والسلام على رسوله وآله ، وبعد :
فقد اطعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم الى سماحة الرئيس العام ، ونصه : ( إني سمعت من علماء الاسلام أن الميت يصير حيا في القبر ويجيب عن سؤال الملائكة ، ويعذب إذا بانَ منه الكفر وعدم الاستقامة في الإسلام في الحياة الدنيا ، وإني كملم بمبادىء الاسلام ، لم أجد في القرآن الكريم أي برهان صريح يدل على سؤال القبر وعقابه . يقول تعالى  : {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي }( سورة الفجر ، الآيات : 27 – 30 ) حسب فهمي الضعيف أن النفس ترجع إلى ربها بعد خروجها من الجسد . ولم أفهم أن النفس تكون مع جسدها في القبر مُنعمة . وأيضا يقول الله تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } ( سورة غافر ، الآية : 11 ) وأفهم من هذه الآية أيضا أن الإماتة مرتان : وقت النطفة وووقت خروج النفس من الجسد ، كما أفهم أن الإحياء مرتان : الحياة في بطن الأم ووقت البعث ، ولم أفهم من الآية إشارة تدل على سؤال القبر وعذابه . يقول تعالى : {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } ( سورة يس ، الآية : 52 ) الخ . وهذا يدل على أن الكفار نائمون . والنوم في القبر ينافي العقاب فيه . وبالنهاية أرجو ياصاحب الفضيلة أن أجد منكم جوابا شافياً ، كما كانت إجاباتكم دائماً .
وقد أجابت بما يلي :-
أولا: أدلة الأحكام الشرعية كما تكون من الفرآن الكريم ، تكون من السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً لعموم أمره تعالى بأخذ ما جاءنا به من نصوص الكتاب والسنة لقوله تعالى : { وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( سورة الحشر الآية : 7 ) ، لأنه صلى الله عليه وسلم لاينطق عن الهوى إنما يشرع لنا بوحي من الله تعالى كما قال سبحانه : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } . سورة النجم الآيتان (  3 ، 4 ) ولأن اتباعه صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عموما دليل على الإيمان بالله ومحبته سبحانه ويترتب عليه محبة الله ومغفرته لمن اتبعه ، كما قال تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } . ( سورة آل عمران الآية : 31 ) ولأمره تعالى  بطاعته صلى الله عليه وسلم وحكمه بأن طاعته طاعةٌ لله ، قال تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }( سورة آل عمران الآيه : 32 ) وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . ( سورة النساء الآية : 59 ) وقال : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }. ( سورة النساء الاية : 80 ) . إلى غير ذلك من آيات القران التي أمرت بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واتباعه وأخذ ما ثبت عنه والعمل به ، فالسنة الثابة عنه صلى الله عليه وسلم حجة تثبت بها الأحكام عقيدة وعملا ، كما أن آيات القران حجة تثبت بها الأحكام صراحة واستنباطا على مقتضى قواعد اللغة العربية ، وطريقه العرب في فهمهم للغتهم .
ثانيا : عذاب الكافرين في قبورهم ممكن عقلا ، وقد دلَّ القرآن الكريم على وقوعه ، من ذلك قوله تعالى { وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ . النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } ( سورة غافر ، الآيتان : 45 ، 46 ) فهذا بيّن واضح في إثبات العذاب في القبر بالنار لأنه لا غدو ولا عشى يوم القيامة ، ولقوله في ختام الآية : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } فإنه يدل على عذاب أدنى قبل قيام الساعة وهو عرضهم على النار وما هو إلا عذاب القبر . وفرعون وآله ومن سواهم من الكافرين سواء في حكم الله وعدله في الجزاء ،  ومن ذلك أيضا قوله تعالى : { فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ . وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } ( سورة الطور الآيات : 45 ، 47 ) فإنه يدل على تعذيب الكافرين عذابًا أدنى قبل قيام الساعة ، وهو عام لما يصيبهم الله تعالى به في الدنيا وما يعذبهم به في قبورهم قبل أن يعثوا منها إى العذاب الأكبر . وثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في صلاته من عذاب القبر ، ويأمر أصحابه بذلك ، وثبت أنه بعد أن صلى صلاه كسوف الشمس وخطب الناس ، أمرهم أن يستعيذوا بالله من عذاب القبر ، واستعاذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات في بقيع الغرقد ، حينما كان يُلْحَد لميت من أصحابه ولو لم يكن عذاب القبر ثابتًا لم يستعذ بالله مه ولا أمر أصحابه به .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ قوله تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } . ( سورة إبراهيم ، الآية  : 47 ) . يدخل فيه تثبيت المؤمن وخذلان الكافر عند سؤال كل منهما في قبره ، وأن المؤمن يوفق في الإجابة وينعم في قبره ، وأن الكافر يخذل ويتردد في الإجابة ويعذب في قبره . وسيجيء ذلك في حديث البراء بن عازب رضى الله عنه قريبا ؛ ومن أدلة عذاب القبر أيضا ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ، فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين وغرز على كل قبر واحدة ، وقال : لعله يخفف عنهما ما لم يبسا " وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت سؤال الميت في قبره ، وثبوت نعيمه فيه أو عذابه حسب عقيدته وعمله ، بما لايدع مجالا للشك في ذلك . ولم يعرف عن الصحابة رضى الله عنهم في ثبوت ذلك خلاف ، ولذا قال بثبوته أهل السنة والجماعة . ومما ورد في ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سنته والحاكم وأبو عوانة الأسفرائيني في صحيحهما عن البراء بن عازب ، رضى الله عنه قال : كنا في جنازه في بقيع الغَرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقعد وقعدنا حوله كأنَّ على رؤوسنا الطير وهو يلحد له فقال : " أعوذ بالله من عذاب القبر )" ثلاث مرات ، ثم قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخر وانقطاع من الدنيا ، نزلت إليه الملائكة كأنَّ على وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ، فجلسوا منه مدَّ البصر ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه " فيقول : ( يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ) قال : ( فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاء فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين . حتى يأخذوها فيجعلوها فبي ذلك الكفن وذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وُجدت على وجه الأرض . قال : فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون فلا بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها الدينا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون له فيُفتح له ، فيُشيِّعه من كل سماء مُقرَّبوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عِليين ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ، قال : فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول ربي الله . فيقولان له  : ما دينك ؟ فيقول : ديني الاسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله فيقولان له : ما علمك ؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة . وافتحوا له باباً إلى الجنة . قال : فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره . قال : ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرُّك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير . فيقول أنا عملك الصالح . فيقول : يارب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي . قال : وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسُوح فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتتفرق في جسده فينتـزعها كما ينتزع السَّفود من الصوف المبلول ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده  طَرفه عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج كنها كأنتن ريح خبيثة وُجدت على وجه الأرض فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقول : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيُستفتح له فلا يُفتح له . ثم قرأ رسول الله صلبى الله عليه وسلم : { تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } . ( سورة الأعراف ، الآية : 40 ) فيقول الله عزّ وجل : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } . ( سورة الحج ، الآية : 31 ) . فتُعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فينادي منادِ من السماء أن كذب ، فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار . فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه . ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثيباب منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوءُك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ، فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول رب لا تقم الساعة ) .
ثالثاً : ليس بمحالٍ في العقول أن تسأل الملائكة الأموات في قبورهم وأن يجيبهم الأموات ويأخذوا جزاء وِفاقاً بما قدموا . وليس ببعيد في عظيم قدرة الله تعالى وعجائب سننه الكونية أن ينعَّم المؤمنين في قبورهم ويعذب الكافرين فيها ، فإن من أنعم النظر في الكون وضح له عموم مشيئة الله ونفاذها . وشمول قدرته تعالى وكمالها وإحكام خلقه ودقة تدبيره وإبداعه لما صوره ، وسهل عليه اعتقاد ما وردت به النصوص الصحيحة في سؤال المقبورين ونعيمهم أو عذابهم . وقد ثبت فيها أن الله تعالى يعيد الروح إلى من مات بعد دفنه إعادة تجعله حيًا حياة برزخية ، وسطًا بين حياته في دنياه وحياته بعد أن يبعثه الله يوم القيامة ، وهذه الحياة الوسط بين الحياتين تؤهله لسماع السؤال والإجابة عنه إذا وفق وتجعله يحس بالنعيم أو العذاب . وقد تقدمت الأحاديث في ذلك ولله في تدبيره وخلقه شؤوون لا تحيط بها العقول لقصورها ، ولا تحيلها بل تحكم بإمكانها . وإن كنت تَحار في تعليلها وتعجز عن الوقوف على كنهها وحقيقتها وعن معرفة مداها وغاياتها ، فعلى الإنسان إذا عجز عن شيء وخفي عليه أمره أن يتهم نفسه بالقصور ، ولا يتهم ربه في علمه وحكمته وقدرته .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 67 / موقف الإسلام من النصارى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله ، وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصه : قال الله تعالى : { يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } . الآية 84 من سورة آل عمران ، وقال تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } . إلى آخر الآيات 18 و 19 من سورة آل عمران . وقال تعالى : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ } إلى آخر الآيات 112 ، 113 ، 114 ، 115 ، آل عمران . وقال جلَّ وعلا : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ } الآيات 81 إلى 85 سورة المائدة . بحكم عملي واحتكاكي بمسيحيين بزمالتي لبعض منهم ، فإنه يحدث أحياناً بعض المناقشات هل دين الإسلام اعترف بالمسيحيين أم لا ؟ وما موقف الإسلام من النصارى ؟ ويستدلون ببعض الآيات من القرآن الكريم التي أوردت آنفًا بعضًا منها وغيرها في مواضع كثيرة ، وإنما أوردت هذه الآيات الكريمات على سبيل المثال لا الحصر .
بناء على ذلك فإنني أرجو من علمائنا الأفاضل أن يعطوني الجواب الكافي ، ورجائي أن يكون الجواب مبسطًا ومقنعًا ومزودًا بالأدلة والبراهين وبأسلوب هادئ هادف . وهل هناك شيء من هذه الآيات منسوخ ؟ لأن النصارى يحتجون علينا بأن البعض منها يناقض الآخر ، وإنما دعاني إلى كتابتي هذه هو حرصي الشديد على الإسلام وأهله ؟
والجواب : أصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء والمرسلون واحدة ، أوحى الله بها إليهم وأنزل عليهم بها كتبه يوصي فيها سالفهم بالإيمان باللاحق منهم ونصره وتأييده ، ويوصي متأخرهم بتصديق من تقدمه منهم ، وكل ماجاءوا به من عند الله يسمى دين الإسلام . قال الله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ . قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . ( سورة آل عمران ، الآيات : 81 – 85 ) وقال تعالى : { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } ( سورة البقرة ، الآية : 285 ) وقال : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } . إلى أن قال : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } . ( سورة المائدة ، الآيات : 46 – 48 ) وقال : {  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . ( سورة المائدة ، الآياتان : 15 – 16 ) وقال : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }  ( سورة المائدة ، الآية : 19 ) وقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } ( سورة الصف ، الآية : 6 ) . وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } . ( سورة الأنبياء ، الآية : 25 ) . إلى غير ذلك من الآيات الدالة بالعموم والخصوص ، على وحدة أصول التشريع الذي جاءت به الأنبياء من توحيد الله بالعبادة ، والإيمان به وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر وأصل الصلاة والزكاة والصيام ، كقوله تعالى في ذِكر دعاء خليله إبراهيم : { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ } . إلى أن قال في حكاية ضراعة خليله : { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } . ( سورة الأنبياء ، الآيات : 37 – 40 ) . وقوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا .وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } . ( سورة مريم ، الآيات : 51 – 55 ) وقوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } . ( سورة يونس ، الآية 87 ) وقوله في زكريا : { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى } . ( سورة آل عمران ، الآية : 39 ) . وقوله في عيسى : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } . ( سورة مريم ، الآيتان : 30 – 31 ) . وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . ( سورة البقرة ، الآية : 183 ) . لكنها اختلفت في كيفياتها وتفاصيل فروعها كما قال تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } . ( سورة المائدة ، الآية : 48 ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الأنبياء أولاد علات دينهم واحد وأمهاتهم شتى ) . رواه البخاري . وعلى هذا فمن آمن بأصول الشرائع على ماجاء به الأنبياء والمرسلون فقد رضي الله عنهم ، وكتب لهم السعادة والفلاح ، وهم الذين امتدحهم الله في كتابه وأثنى عليهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته ، ومن آمن ببعض الأصول التي جاؤوا بها من عند الله وكفر ببعض ، فأؤلئك هم الكافرون حقًّا بالجميع ، لضرورة وحدتها وتصديق بعضها بعضًا ، وأعد الله لهم جنات وساءت مصيرًا ، وهؤلاء هم الذين ذمهم الله في كتابه ، وذمهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، في سنته ، قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا . وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } . ( سورة النساء ، الآيات 150 – 152 ) .
ومن أجل هذا أخبر الله سبحانه بأن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسوا سواء في حكمه ، بل أثنى على طائفة من هؤلاء ومن هؤلاء ، وذم طائفة أخرى من الفريقين ، أثنى على الذين امتثلوا أمره من اليهود والنصارى بقوله تعالى : { قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . ( سورة البقرة ، الآية : 126 ) ومن هؤلاء الذين قال الله فيهم : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . ( سورة آل عمران ، الآية : 199 ) . ومنهم بعض النصارى وهم الذين قال الله فيهم : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ . فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } ( سورة المائدة ، الآيات : 82 – 85 ) . ومنهم جماعة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى أثنى الله عليهم بقوله : { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } . ( سورة آل عمران ، الآيات : 113 – 115 ) . وذم من الفريقين اليهود والنصارى مَن نافق أو آمن ببعض الرسل وكفر ببعض ، وكتموا الحق بعد ما تبين ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وافتروا على الله الكذب في أصول الشرائع أو فروعها ، ونقضوا ما أخذ عليهم من العهود والميثاق . قال تعالى : {  أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ . وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ . فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } . ( سورة البقرة ، الآيات : 75 - 79 ) . وقال تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } . ( سورة آل عمران ، الآية : 187 ) . وقال تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ . فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } . ( سورة المائدة ، الآيات : 12 – 14 ) . وذمَّ منهم أيضًا الذين قالوا اتخذ الله ولدًا ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله . ورد عليهم فِرْيتهم قال تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . ( سورة التوبة ، الآيتان : 30 ، 31 ) وذم منهم أيضًا من زعم – مع كفره – أن الجنة وَقفٌ عليهم لا يدخلها غيرهم ، وكذّبهم في زعمهم وبيّن مَن هم أهل الجنة حقًّا ، قال تعالى : { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . ( سورة البقرة ، الآيتان : 111 ، 112 ) .
وذم منهم أيضا من قتل الأنبياء والصالحين بغير حق ، وقالوا قلوبنا غُلف ، وافتروا على مريم بهاتنا عظيمًا ، وقالوا إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ، وأكلوا الرباء وأموال الناس بالباطل ، ومن قال أن الله ثالث ثلاثة ، وكفّرهم جميعًا ورد عليهم مزاعمهم الباطلة ، وتوعدهم بالعذاب الأليم . إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ثنائه تعالى على جماعة من اليهود ومن النصارى ووصفهم بصفات جعلتهم أهلا للثناء عليها ، والفوز بالسعادة والنعيم المقيم . وذمه جماعة أخرى من كل من الفريقين ووصفهم بصفات استوجبوا بها سخط الله ولعنته وأليم عقابه .
لهذا يتبين أن الإسلام وقف من اليهود والنصارى موقف إنصاف وعدل . وأنه لاتناقض بين النصوص الكتاب والسنة في الإخبار عنهم ثناء وذمًّا ، فإن من أثنى عليهم يختلفون اختلافا بيّنًا عمّن ذمهم ؛ فالذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبَا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إسرهم والأغلال التي كانت عليهم ، امتثالاً لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ } . ( سورة النساء ، الآية : 136 ) . وأولئك الذين وسعتهم رحمة الله وحق فيهم ثناؤه وأولئك هم المفلحون . أما الذين كفروا بالجميع أو آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وحرفوا ما أنزل في التوراة أو الإنجيل ، إلى آخر ما تقدم بيانه وما في معناه فأولئك الذين ذمهم الله ، وحقت عليهم كلمة العذاب ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . وعلى هذا فلا تناقض بين نصوص الأخبار عنهم ثناء على من هم أهل لذلك واعترافا بقدرهم ، وإنزالاً لهم منازلهم ، مع ذم آخرين منهم لسوء سيرتهم ، وفساد عقيدتهم وتغييرهم وتبديلهم لما أنزل إليهم من ربهم ، أو تقليدهم من فعل ذلك من أحبارهم ورهبانهم على غير هدى وبصيرة . ولا نسْخ فيها لعدم تنافيها بل بعضها يصدق بعضًا .
ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله ، فإنَّ من تأمل آيات القرآن والأحاديث الصحيحة عن الرسول عليه الصلاة والسلام واطلع على ما صحَّ من التاريخ ، وتبرأ من العصبية ولم يتّبع الهوى ، تبيّن له الحق واهتدى إلى سواء السبيل . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 72 / حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور
س : هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور ؟
ج : المساجد التي فيها قبور لا يُصلى فيها ، ويجب أن تُنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور ، ولا يجوز أن يبقى فيها قبور ، لا قبر ولي ولا غيره ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر وذمَّ اليهود والنصارى على عملهم ذلك ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة رضي الله عنها ( يحذر ما صنعوا ) . متفق عليه .
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة فيها صور وأنها كذا وكذا ، فقال : "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئكِ شرار الخلق عند الله يوم القيامة " وقال عليه الصلاة والسلام : " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " فنهى عن اتخاذ القبور مساجد - عليه الصلاة والسلام - .
ومعلوم أن من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا ، ومن بنى عليه ليصلي فيه فقد اتخذه مسجدا ، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد ، وألا يجعل فيها قبور ؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور ؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت ، أو الاستغاثة به ، أو الصلاة له ، أو السجود له ، فيقع في الشرك الأكبر ، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى ، فوجب أن نخالفهم ، وأن نبتعد عن طريقهم ، وعن عملهم السيء والله وليُّ التوفيق .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 72 / كيف الجمع بين قوله [ إن الله لا يغفر ] وقوله [ وإني لغفار ]
ج : ليس بينهما تعارض ، فالآية الأولى في حق من مات على الشرك ولم يتب ، فإنه لا يغفر له ومأواه النار ، كما قال الله سبحانه : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } وقال عز وجل : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } والآيات في هذا المعنى كثيرة . أما الآية الثانية وهي قوله سبحانه : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } . فهي في حق التائبين ، وهكذا قوله سبحانه : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين .. والله وليُّ التوفيق .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 73 / المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
س : ما هو " المحكم والمتشابه " في القرآن الكريم ، ولمَ لم يكن القرآن كله مُحْكمًا حتى لا يتأوّل الناس منه إلا الحق ؟
ج : اعلم أن القرآن وصفه الله عز وجل بثلاثة أوصاف ؛ فوصفه بأنه محكم كله كما في قوله تعالى : { تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } . وفي قوله : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ } . ووصفه بأنه متشابه في قوله تعالى : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } . وهذا عام لكل القرآن معناه أن القرآن محكم متقن في أخباره وأحكامه وألفاظه وغير ذلك مما يتعلق به ، ومعنى كونه متشابهًا أن بعضه يشبه بعضًا في الكمال والجودة والتصديق والموافقة ، فلا نجد في القرآن أحكامًا متناقضة أو أخبارًا متناقضة بل كله يشهد بعضه لبعض ويصدق بعضه بعضاً ، لكن يحتاج إلى تدبر وتأمل في الآيات التي قد يكون فيما يبدو للإنسان فيها تعارض ولهذا قال الله عز وجل : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } . أما الوصف الثالث للقرآن ، أن بعضه محكم وبعضه متشابه كما في قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } . والمحكم هنا ما كان معناه بيّنًا ظاهرًا لأن الله تعالى قابله بقوله : { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } . وتفسير الكلمة يعلم بذكر ما يقابلها ، وهذه قاعدة من قواعد التفسير ينبغي للمفسر أن ينتبه لها ، وهي أن الكلمة قد يظهر معناها بما قوبلت به ؛ وانظر إلى قوله تعالى : { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } . فإن كلمة ثُبات قد تبدو مشكلة للإنسان ، ولكن عندما يضمها إلى ما ذكر مقابلاً لها يتبين له معناها ، فإن معنى قوله : { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ } . أي متفرقين فُرادى . { أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } . أي مجتمعين . هكذا قوله تعالى : { مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } . نقول إن المحكم في هذه الآية هو الذي كان معناه واضحًا غير مشتبه بحيث يعلمه عامة الناس وخاصتهم ، مثل قوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ } . وما أشبه ذلك من الأمور الظاهرة المعنى . ومنه آيات متشابهات ، متشابهات يخفى معناها على كثير من الناس لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم ، كما قال تعالى : { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } . على قراءة من قرأها بالوصل وللسلف فيها قولان معروفان: أحدهما الوقف على قوله : { إِلَّا اللَّهُ } , والثاني : الوصل . ولكل قراءة وجه . وأما قول السائل : ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل القرآن كله محكمًا بل جعل منه شيئًا متشابهاً ؟ فالجواب عليه من وجهتين : أولا : أن القرآن كله محكم بالمعنى العام ، كما ذكرنا في أول الجواب ، وحتى فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة ، فإننا إذا رددنا المتشابه إلى المحكم صار معناه واضحًا بينًا ، وصار الجميع كله محكمًا . أما الوجه الثاني فإننا نقول : إن الله سبحانه وتعالى أوجد المتشابه الذي يحتاج إلى تدبر وتأمل وإرجاع إلى المحكم ، أوجده لحكمة وهي الابتلاء والامتحان والاختبار ، حيث إن بعض الناس يأخذ من هذه الآيات المتشابهات طريقًا إلى الفتنة ، وإلى الطعن في القرآن والتشكيك فيه وليكون بهذا ابتلاء وامتحانًا من الله سبحانه وتعالى له ، وهذا كما يكون في أحكام الله الشرعية أو آياته الشرعية كالقرآن ، يكون كذلك في الآيات الكونية القدرية ، فإن الله تعالى قد يقدر بعض الأشياء امتحانًا للإنسان يبلوه في تطبيق شريعته , وانظر إلى ما ابتلي به الله أهل السبت حين حرّم عليهم الحيتان في يوم السبت ، ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرَّعًا على ظهر الماء في يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتيهم ، لكنهم لم يصبروا على هذه المحنة فتحيلوا بالحيلة المعروفة حيث وضعوا شركًا في يوم الجمعة ، لتقع فيه الحيتان ، فيأخذونها يوم الأحد ، فعاقبهم الله عز وجل على هذه الحيلة . وانظر كذلك إلى ما ابتلي الله به الصحابة رضي الله عنهم في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } . فابتلاهم الله بسهولة تناول الصيد وهم مُحْرمون وصبروا – رضي الله عنهم – فلم يفعلوا شيئًا مما حرم الله عليهم ، هكذا أيضًا الآيات الشرعية يكون فيها الأشياء المتشابهة التي قد يكون ظاهرها التعارض وتكذيب بعضها أيضًا . لكن الراسخون في العلم يعرفون كيف يجمعون بينها وكيف يؤلفون بين الآيات ، وأما أهل الفتنة والشر ، فإنهم يجعلون من هذا طريقًا إلى إظهار القرآن وكأنه متعارض ومتناقض { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } .
الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
75 / المؤمنون يرون ربهم حقا في الجنة كما يشاء الله
س : في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كالقمر ليلة البدر .. لا تضامون في رؤيته ) .
1- هل رؤية الله حق يوم القيامة ؟ وهل الحديث المذكور أعلاه صحيح ؟ ! وهل الرؤية للناس جميعًا أم للمؤمنين ؟
2- قال بعض رواة الحديث : إن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فهل هذا صحيح ؟ ! .
ج 1 : هذا الحديث صحيح ثابت ، وهو دليل على أن المؤمنين يرون ربهم حقًّا كما يشاء الله وأما الكفار فلا يرونه ، لقوله تعالى : { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } . وقد وردت الأحاديث الكثيرة في إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة ، وكذلك دل عليها القرآن كقوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } . وقوله : { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } . فأما كيفية الرؤية فلا نعلمها مع أحقيتها ، فإن الدار الآخرة لا تُقاس بالدنيا ، ولا يقاس الغيب على الشهادة ، وإنما علينا أن نقول بما نعلم .
2- وردت الأحاديث الصحيحة في النزول كقوله صلى الله عليه وسلم : " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : ( هل من داعٍ فأستجيب له ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأتوب عليه ؟ ) .
لكن هذا النزول من الأمور الغيبية ، فنحن نقبله ولا نخوض في كيفيته ، وإنما نستفيد من فضل آخر الليل ، واستحباب الصلاة هناك والدعاء والاستغفار وإنه مظنة الإجابة .
الشيخ ابن جبرين
*   *   *
ص 76 / إمامة المخالف لأهل السنة
س : هل تجوز الصلاة خلف صاحب عقيدة مخالفة لأهل السنة والجماعة كالأشعري مثلًا ؟
ج : الأقرب والله أعلم أن كل من نحكم بإسلامه يصح أن نصلي خلفه ومَن لا فلا ، وهذا قول جماعة من أهل العلم وهو الأصوب . وأما من قال أنها لا تصح خلف العاصي فقوله هذا مرجوح ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة خلف الأمراء ،- والأمراء منهم الكثير من العصاة- ، وابن عمر وأنس وجماعة صلوا خلف الحجاج وهو من أظلم الناس . والحاصل أن الصلاة تصح خلف مبتدع بدعة لا تخرجه عن الإسلام ، أو فاسق فسفا ظاهرا لا يخرجه من الإسلام . لكن ينبغي أن يولّى صاحب السنة ، وهكذا الجماعة إذا كانوا مجتمعين في محل يقدمون أفضلهم .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 76 / حكم سؤال السحرة والمشعوذين من الصوفية وغيرهم
س : يوجد في بعض جهات اليمن أناس يسمون ( السادة ) ، وهؤلاء يأتون بأشياء منافية للدين مثل الشعوذة وغيرها ، ويدَّعون أنهم يقدرون على شفاء الناس من الأمراض المستعصية ، ويبرهنون على ذلك بطعن أنفسهم بالخناجر أو قطع ألسنتهم ثم إعادتها دون ضرر يلحق بهم ، وهؤلاء منهم من يصلي ومنهم من لا يصلي . وكذلك يُحلون لأنفسهم الزواج من غير فصيلتهم ولا يحلون لأحد الزواج من فصيلتهم ، وعند دعائهم للمرضى يقولون ( يا الله يا فلان ) أحد أجدادهم .وفي القديم كان الناس يُكْبرونهم ويعتبرونهم أناسا غير عاديين وأنهم مقربون إلى الله ، بل يسمونهم رجال الله ، والآن انقسم الناس فيهم : فمنهم من يعارضهم وهم فئة الشباب وبعض المتعلمين ، ومنهم من لا يزال متمسكا بهم وهم كبار السن وغير المتعلمين . نرجو من فضيلتكم بيان الحقيقة في هذا الموضوع ؟
جـ : هؤلاء وأشباههم من جملة المتصوفة الذين لهم أعمال منكرة وتصرفات باطلة ، وهم أيضا من جملة العرافين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما " . وذلك بدعواهم علم الغيب وخدمتهم فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ، لهذا الحديث الشريف ولقوله صلى الله عليه وسلم : " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " وفي لفظ آخر : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " . وأما دعاؤهم غير الله واستغاثتهم بغير الله أو زعمهم أن آباءهم وأسلافهم يتصرفون في الكون أو يشفون المرضى أو يجيبون الدعاء مع موتهم أو غيبتهم فهذا كله من الكفر بالله عز وجل وكله من أعمال المشركين ، فالواجب الإنكار عليهم وعدم إتيانهم وعدم سؤالهم وعدم تصديقهم ؛ لأنهم قد جمعوا في هذه الأعمال بين عمل الكهنة والعرافين وبين عمل المشركين عباد غير الله والمستغيثين بغير الله والمستعينين بغير الله من الجن والأموات وغيرهم ممن ينتسبون إليهم ويزعمون أنهم آباؤهم وأسلافهم ، أو من أناس آخرون يزعمون أن لهم ولاية أو لهم كرامة ، بل كل هذا من أعمال الشعوذة ومن أعمال الكهانة والعرافة المنكرة في الشرع المطهر . وأما ما يقع منهم من التصرفات المنكرة من طعنهم أنفسهم بالخناجر أو قطعهم ألسنتهم فكل هذا تمويه على الناس ، وكله من أنواع السحر المحرم الذي جاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريمه والتحذير منه . فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك وهذا من جنس ما قاله الله سبحانه وتعالى عن سحرة فرعون : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } فهؤلاء قد جمعوا بين السحر وبين الشعوذة والكهانة والعرافة وبين الشرك الأكبر . والاستعانة بغير الله والاستغاثة بغير الله وبين دعوى علم الغيب والتصرف في علم الكون ، وهذه أنواع كثيرة من الشرك الأكبر والكفر البواح ومن أعمال الشعوذة التي حرمها الله عز وجل ومن دعوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله كما قال سبحانه : { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ } . فالواجب على جميع المسلمين العارفين بحالهم الإنكار عليهم وبيان سوء تصرفاتهم وأنه منكر وأنَّ أعمالهم شركية وكفرية وفيها من الشعوذة والكهانة والعرافة وفيها من دعوى علم الغيب ما فيها ، وهذه أنواع كلها أنواع ضلال وأنواع كفر وباطل يجب الحذر منه والحذر من أهله . وأما كونهم لا يزوجون بناتهم لغيرهم ويستحلون الزواج من غيرهم فهذا أيضًا جهل وضلال لا وجه له ولا أصل له في الشرع ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . ولو كانوا من السادة أو من بني هاشم فليس لهم أن يحرّموا بناتهم على غيرهم بل هذا منكر ويخالف ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد زوّج عليه الصلاة والسلام زينب ابنة عمه زيد بن حارثة وهي أسدية ، وزوَّج فاطمة بنت قيس أسامة بن زيد وهي قرشية ، وزوّج عليٌّ – رضي الله عنه – أمَّ كلثوم لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو ليس من بني هاشم بل هو من بني عدي .. والوقائع في هذه كثيرة تدل على بطلان ما عليه هؤلاء وأنهم مخالفون لما عليه سَلفهم ، فالواجب نصيحتهم وتحذيرهم من مخالفة أمر الله ، وأمرهم بالتوبة إلى الله سبحانه من جميع ما خالفوا فيه الشرع المطهر . نسأل الله لنا ولهم الهداية .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 78 / حكم الاستعانة بغير الله
س : رجل يعيش في جماعة تستغيث بغير الله هل يجوز له الصلاة خلفهم , وهل تجب الهجرة عنهم , وهل شركهم شرك غليظ , وهل موالاتهم كموالاة الكفار الحقيقيين ؟
 ج: إذا كانت حال من تعيش بينهم - كما ذكرت : من استغاثتهم بغير الله, كالاستغاثة بالأموات والغائبين عنهم من الأحياء أو بالأشجار أو الأحجار أو الكواكب ونحو ذلك - فهم مشركون شركا أكبر يخرج من ملة الإسلام , لا تجوز موالاتهم , كما لا تجوز موالاة الكفار , ولا تصح الصلاة خلفهم , ولا تجوز عشرتهم ولا الإقامة بين أظهرهم إلا لمن يدعوهم إلى الحق على بينة, ويرجو أن يستجيبوا له وأن تصلح حالهم دينيا على يديه , وإلا وجب عليه هجرهم والانضمام إلى جماعة أخرى يتعاون معها على القيام بأصول الإسلام وفروعه ، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإن لم يجد اعتزل الفرق كلها ولو أصابته شدة ; لما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه, فقلت: يا رسول الله, إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : " نعم " ، فقلت : فهل بعد هذا الشر من خير ؟ قال : " نعم وفيه دخن " ، قلت : وما دخنه ؟ قال : " قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر " ، فقلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : " نعم , دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " ، فقلت : يا رسول الله , صفهم لنا , قال : " نعم , هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا " ، قلت : يا رسول الله , فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " ، فقلت : فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعُضَّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق على صحته .
وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 79 / السفر لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لقبره
س : ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيره من قبور الأولياء والصالحين وغيرهم ؟
ج : لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق عليه . والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي فتدخل زيارة القبر الشريف وقبرَيْ أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعا لذلك .
وإن نواهما جاز . لأنه يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا ، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال ، أما إذا كان قريبا لا يحتاج إلى شد رحال ولا يسمى ذهابه إلى القبر سفرا ، فلا حرج في ذلك . لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه من دون شد رحال سنة وقربة ، وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع ، وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سنة وقربة ، لكن بدون شد الرحال ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " أخرجه مسلم في صحيحه .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 80 / المرأة لا تزور القبور
س : ما حكم زيارة المرأة للقبور ؟
ج : لا يجوز للنساء زيارة القبور ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور ، ولأنهن فتنة ، وصبرهن قليل ، فمن رحمة الله وإحسانه أن حرم عليهن زيارة القبور ؛ حتى لا يَفْتنَّ ولا يُفْتِنَّ. أصلح الله حال الجميع.
الشيخ ابن باز
*   *   *
حكم الصلاة في المساجد التي تتوسطها الأضرحة
س : هل تجوز الصلاة في المساحد التي تتوسطها قبور لأولياء الله ؟
ج : المساجد المبنية على القبور لا يُصلّى فيها ، سواء كان المقبور فيها من الصالحين أم من غيرهم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، نهى وحذّر منه ولعن اليهود والنصارى على ذلك ، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة – رضي الله عنهما – ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئكِ شِرار الخلق عند الله  " . وخرّج مسلم في صحيحه عن جندب بن عبدالله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " . فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم الصلاةبالمساجد التي بها قبور ، ولَعْن من فعل ذلك ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر أنه " نهى عن تجصيص القبر والبناء عليها والقعود عليها " .
فالواجب على ولاة أمر المسلمين في جميع الدول الإسلامية أن منعوا البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها ، كما يجب عليهم أن يمنعوا تجصيصها والقعود عليها والكتابة عليها عملاً بهذه الأحاديث الصحيحة ، وسدًّا لذرائع الغلو في أهلها والشرك بهم . نسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد وأن ينصر بهم دينه ويحمي بهم شريعته مما بخالفها ، إنه سميع مجيب .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 81 / التفضيل بين الرسل
س : كيف نجمع بين قوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } . وقوله : { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } ؟
ج : قوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } كقوله تعالى : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } . فالأنبياء والرسل لا شك أن بعضهم أفضل من بعض ، فالرسل أفضل من الأنبياء ، وأولو العزم من الرسل أفضل ممن سواهم ، وأولو العزم من الرسل هم الخمسة الذين ذكرهم الله تعالى في آيتين من القرآن إحداهما في سورة الأحزاب : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } . محمد عليه الصلاة والسلام ، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم . والآية الثانية في سورة الشورى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } . فهؤلاء خمسة وهم أفضل ممن سواهم . وأما قوله تعالى عن المؤمنين : { كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } . فالمعنى لا نفرق بينهم في الإيمان بل نؤمن أنهم كلهم رسل من عند الله حقّاًَ ، وأنهم ما كذبوا فهم صادقون مصدقون وهذا معنى قوله : { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } . أي : في الإيمان ، فنؤمن أن كلهم عليهم الصلاة والسلام، رسل من عند الله حقّاً.
لكن في الإيمان المتضمن للاتباع هذا يكون لمن بعد الرسول صلى الله عليه وسلم خاصّاً بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو المتبع ، لأن شريعته نسخت ماسواها من الشرائع ، وبهذا نعلم أن الإيمان يكون للجميع كلهم ، نؤمن بهم وأنهم رسل الله حقاً ، وأما بعد أن بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم فإن جميع الأديان السابقة نُسختْ بشريعته صلى الله عليه وسلم ، وصار الواجب على جميع الناس أن ينصروا محمداً صلى الله عليه وسلم وحده . ولقد نسخ الله تعالى بحكمته جميع الأديان سوى دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال الله تعالى : {
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . فكانت الأديان سوى دين الرسول صلى الله عليه وسلم كلها منسوخة لكن الإيمان بالرسل وأنهم حق هذا أمر لا بد منه .
الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
ص 82 / العلة في تحريم زيارة النساء للقبور
س : ما السبب أو العلة في تحريم زيارة النساء للقبور ؟
ج  : أولاً ورد النهي الشديد عن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله زائرات القبور" . وقوله لفاطمة لما زارت أناساً للتعزية : " لو بلغت معهم الكداء (يعني أدنى المقابر) ما رأيتِ الجنة.. إلخ " . وثانياً : ورد تعليل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي تبعن الجنازة : " ارجعن مأزورات غير مأجورات فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت " فعلّل نهيهن بعلتين : كونهن فتنة للأحياء فإن المرأة عورة وخروجها وبروزها للرجال الأجانب يوقع في الفتنة ويجر إلى الجرائم ، وهكذا كونهن يؤذين الميت فإن المرأة قليلة الصبر ضعيفة القلب لا تتحمل المصائب فلا يؤمَن أن يقع منها عند القبور شيء من النياحة والندب والنعي ورفع الصوت بتعداد محاسن الميت وذلك محرم شرعاً الشيخ ابن جبرين
ص 82 / حساب الكافر في الآخرة
س : الإنسان المؤمن محل الحساب يوم القيامة ، إن خيرا فخير وإن شرًا فشر . فكيف يكون الكافر محلا للحساب كذلك وهو غير مطالب بالتكليفات المطالب بها المؤمن ؟
ج : هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح ، فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن لكنه غير ملزم به في الدنيا ، ويدل على أنه مطالب لقوله تعالى : { إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } .فلولا أنهم تأثروا بترك الصلاة وترك الطعام وإطعام المساكين لو أنهم تأثروا بذلك ما ذكروه وهذا دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضا مقتضى النظر ، فإذا كان الله تعالى يعاقب عبده المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب عبده الكافر ؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } فمنطوق الآية رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه ، ومفهومها وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه ، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } . فإن قوله : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } . دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها ، أقول ليس له حق شرعي أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله سبحانه وتعالى خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره . فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس ، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر ، إذ كيف يتمتع هذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلا أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده ؟ إذا تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله . ولكن حساب الكافر على عمله يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساًبا يسرًا ؛ يخلو به الرب عزَّ وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول له سبحانه وتعالى : ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) . أما الكافر - والعياذ بالله - فإن حسابه أن يقرر بذنوبه ويُخزى بها على رؤوس الأشهاد ... { وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }
الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
ص 83 / فوائد ابتلاء المؤمن
س : لماذا يثقل الله على المؤمنين الذين يكثرون العبادة بالأمراض والبلايا في حين أن العصاة يتمتعون بكل مطايب الدنيا ؟
 هذا السؤال يَرِد على وجهين أحدهما اعتراض والثاني استرشاد ، فأما وقوعه على سبيل الاعتراض فإنه دليل على جهل السائل ، فإنّ حكمة الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تبلغها عقولنا والله عز وجل يقول : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } فهذه الروح التي هي بين جنبينا والتي هي مادة حياتنا نحن لا نعرفها وقد عجز النظار والفلاسفة والمتكلمون عن تحديدها وكيفيتها ، فإذا كانت هذه الروح التي هي أقرب مخلوق إلينا لا نعلم منها إلا ما وُصف في الكتاب والسنة فما بالك بما وراء هذا ؟ فالله عز وجل أحكم وأعظم وأجل وأقدر ، فعلينا أن نسلم بقضائه تسليماً تاماً : قضائه الكوني وقضائه القدري ، لأننا عاجزون عن إدراك غايات حكمته سبحانه وتعالى ، وعليه فالجواب عن هذا الوجه من السؤال أن نقول : الله أعلم وأحكم وأقدر وأعظم . وأما الوجه الثاني وهو سؤال استرشاد فإننا نقول لهذا السائل : المؤمن يبتلى وابتلاء الله له بما يؤذيه له فائدتان عظيمتان : الفائدة الأولى اختبار هذا الرجل في إيمانه . هل إيمانه صادق أو متزعزع ، فالمؤمن الصادق في إيمانه يصبر لقضاء الله وقدره ، ويحتسب الأجر منه وحينئذ يهون عليه الأمر ، ويذكر عن بعض العابدات أنه أصيب أصبعها بقطع أو جرح ولكنها لم تتألم ولم تظهر التضجر فقيل لها في ذلك فقالت : إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها ، والمؤمن يحتسب الأجر من الله تعالى ويسلم تسليماً . هذه فائدة . أما الفائدة الثانية : فإن الله سبحانه أثنى على الصابرين ثناءً كبيراً وأخبر أنه معهم وأنه يوفيهم أجرهم بغير حساب ، والصبر درجة عالية لا ينالها إلا من ابتُلي بالأمور التي يُصبر عليها فإذا صبر نال هذه الدرجة العالية التي فيها هذا الأجر الكثير ، فيكون ابتلاء الله للمؤمنين بما يؤذيهم من أجل أن ينالوا درجة الصابرين ، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعظم الناس إيماناً وأتقاهم لله وأخشاهم لله كان يوعك كما يوعك الرجلان وشُدد عليه صلى الله عليه وسلم عند النزع كل ذلك لأجل أن تتم له منزلة الصبر فإنه عليه الصلاة والسلام أصبر الصابرين ، ومن هذا يتبين لك الحكمة من كون الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمن بمثل هذه المصائب ، أما كونه يعطي العصاة والفساق والفجار والكفار العافية والرزق يدره عليهم فهذا استدراج منه سبحانه وتعالى لهم ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر . فهم يُعطون هذه الطيبات لتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ، ويوم القيامة ينالون ما يستحقونه من جزاء ، قال الله تعالى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ } . فالحاصل أن هذه الدنيا هي للكفار يُستدرجون بها وهم إذا انتقلوا إلى الآخرة من هذه الحياة الدنيا التي نعموا بها وجدوا العذاب والعياذ بالله ، فإنه يكون العذاب أشد عليهم لأنهم يجدون في العذاب النكال والعقوبة ، ولأنه مع فوات محبوبهم من الدنيا ونعيمهم وترفهم ، وهذه فائدة ثالثة يمكن أن نضيفها إلى الفائدتين السابقتين فيما سينال المؤمن من الأذى والأمراض ، فالمؤمن ينتقل من دار خير من هذه الدنيا فيكون قد انتقل من أمر يؤذيه ويؤلمه إلى أمر يسره ويفرحه ، فيكون فرحه بما قدم عليه من النعيم مضاعفاً لأنه حصل به النعيم وفات عنه ما يجري من الآلام والمصائب .
الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
ص 85 / أبعدوا القبر عن المسجد
س : شخص بنى جامعًا باليمن وأوصى أسرته أن يكون قبره في الجامع ، وتوفي بالفعل ودفن بالجامع أمام القبلة، وبين القبر وبين الجامع مسافة متر واحد فأرجو إرشادنا عن ذلك ؟
ج : يجب أن ينبش هذا القبر ، ويجعل في مكان بعيد عن المسجد في مقبرة البلد؛ لأن جعل القبر في المسجد ذريعة إلى الشرك ، وإذا كان في القبلة كان أشد في التحريم وأقرب إلى الشرك بالله ، وذلك بعبادة صاحب القبر، والأصل في ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، وأخرج مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " . وروى مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " .
وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
مكان الجنة
س : إذا كانت الجنة عرضها كعرض السموات والأرض ، فأين توجد في هذا الكون الذي تملؤه السموات والأرض ؟
ج : قبل الجواب على هذا يجب أن نقدم مقدمة وهي أن ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإنه حق ولا يمكن أن يخالف الأمر الواقع ، فإن الأمر الواقع المحسوس لا يمكن إنكاره ، ومادل عليه الكتاب والسنة فإنه حق لا يمكن إنكاره ، ولا يمكن تعارض حقين على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، وقد ثبت في القرآن أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض قال الله تعالى :{ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ } وهذا حق بلا ريب ، وثد سأل يهودي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن هذه الآية فقال : إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : "إذا جاء الليل فأين يكون النهار ؟ ثم إن قول السائل : إن هذا الكون ليس فيه إلا السموات والأرض ليس بصحيح ، فهذا الكون فيه السموات والأرض ، وفيه الكرسي والعرش ، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام ، يقول بعد رفعه من ركوعه : "ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد" فهناك عالم غير السموات والأرض لا يعلمه إلا الله ، كذلك نحن نعلم منه ما علمنا به سبحانه و تعالى مثل العرش والكرسي ، والعرش وهو أعلى المخلوقات والله - سبحانه وتعالى – قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته .
الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
ص 86 / حكم الكتابة على القبر
هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو ( لافتة ) على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية . بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته . . إلخ ؟
ج : لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها ، لا في حديدة ولا في لوح ولا في غيرهما ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم " نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " ، رواه الإمام مسلم في صحيحه ، وزاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح : " وأن يكتب عليه "  .
الشيخ ابن باز

*   *   *
حكم قراءة القرآن للموتى
س : هل قراءة القرآن للميت بأن نضع في منزل الميت أو داره مصاحف ويأتي بعض الجيران والمعارف من المسلمين فيقرأ كل واحد منهم جزءا مثلا ثم ينطلق إلى عمله ولا يعطى في ذلك أي أجر من المال ، وبعد انتهائه من القراءة يدعو للميت ويهدي له ثواب القرآن ، فهل تصل هذه القراءة والدعاء إلى الميت ويثاب عليها أم لا ؟ أرجو الإفادة وشكرا لكم .
ج : هذا العمل وأمثاله لا أصل له ، ولم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم كانوا يقرءون للموتى ، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ، أخرجه مسلم في صحيحه وعلقه البخاري في الصحيح جازما به ، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته يوم الجمعة : " أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " زاد النسائي بإسناد صحيح : " وكل ضلالة في النار " . أما الصدقة للموتى والدعاء لهم فهو ينفعهم ويصل إليهم بإجماع المسلمين . وبالله التوفيق والله المستعان .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص87 / حكم الاحتفال بأعياد الميلاد
س : في بلدنا بمصر عادة وهو أن كل شخص عندما يُتم سنة من عمره يقيم حفلاً ويسمى عندنا بعيد الميلاد أو إطفاء الشمعة . وقد سمعت مؤخرًا أن ذلك غير جائز شرعًا ، فهل هذا العمل لا يجوز شرعًا ، وهل يجوز حضور هذه الأعياد إذا دعي إليها الشخص ، أفيدوني ولكم جزيل الشكر .
هذه عادة سيئة وبدعة منكرة ما أنزل الله بها من سلطان ، فالأعياد توقيفية كالعبادات ، وقد ورد في الحديث أن أهل المدينة كان لهم عيدان في الجاهلية يلعبون فيهما فأبدلهم الله بهما العيدين الشرعيين . وحيث لم يرد في الشرع ما يسمى بعيد الميلاد ولم يفعله أحد من الصحابة ولا سلف الأمة ، فإنه لا يجوز شرعاً الاحتفال بهذه الأعياد ولا حضورها ولا تشجيع أهلها ولا تهنئتهم ونحو ذلك مما فيه إعانة هذا المنكر أو إقرار عليه .
الشيخ ابن جبرين
*   *   *
إثبات كفر اليهود والنصارى والرد على من زعم بأنه لا يجوز تكفيرهم
س : زعم أحد الوُعّاظ في مسجد من مساجد أوربا في درس من دروسه  أنه لا يجوز تكفير اليهود والنصارى ، وتعلمون – حفظكم الله – أن بضاعة معظم الذين يترددون على المساجد في أوروبا قليلة ، ونخشى أ ينتشر مثل هذا القول ، ونرجو منكم بيا شافياً في هذه المسألة ؟
ج : أقول : إن هذا القول الصادر عن هذا الرجل ضلال ، وقد يكون كفراً ، وذلك لأن اليهود والنصارى كفَّرهم الله - عز وجل - في كتابه ، قال الله تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . فدل ذلك على أنهم مشركون ، وبيَّن الله تعالى في آيات أخرى ما هو صريح بكفرهم : - { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ }  { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ }{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } - { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } والآيات في هذا كثيرة ، والأحاديث،  فمن أنكر كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد ، صلى الله عليه وسلم، وكذبوه ، فقد كذب الله - عز وجل - وتكذيب الله كفر ، ومن شك في كفرهم فلا شك في كفره هو .
ويا سبحان الله كيف يرضى هذا الرجل أن يقول : إنه لا يجوز إطلاق الكفر على هؤلاء وهم يقولون : إن الله ثالث ثلاثة ؟ وقد كفَّرهم خالقهم - عز وجل - وكيف لا يرضى أن يكفر هؤلاء وهم يقولون : إن المسيح ابن الله، ويقولون : يد الله مغلولة، ويقولون : إن الله فقير ونحن أغنياء؟! كيف لا يرضى أن يكفر هؤلاء وأن يطلق كلمة الكفر عليهم ، وهم يصفون ربهم بهذه الأوصاف السيئة التي كلها عيب وشتم وسب؟! وإني أدعو هذا الرجل ، أدعوه أن يتوب إلى الله - عز وجل - وأن يقرأ قول الله تعالى: {
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } وألا يداهن هؤلاء في كفرهم ، وأن يبين لكل أحد أن هؤلاء كفار، وأنهم من أصحاب النار ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني من هذه الأمة ـ أي أمة الدعوة ـ ثم لا يتبع ما جئت به ، أو قال : لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار".
فعلى هذا القائل أن يتوب إلى ربه من هذا القول العظيم الفرية، وأن يعلن إعلاناً صريحاً بأن هؤلاء كفرة ، وأنهم من أصحاب النار ، وأن الواجب عليهم أن يتبعوا النبي الأمي محمدا ً، صلى الله عليه وسلم ، فإنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ، وهو بشارة عيسى ابن مريم ، عليه الصلاة والسلام .
فقد قال عيسى ابن مريم ما حكاه ربه عنه : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } لما جاءهم مَن...؟ من الذي جاءهم....؟ المبشر به أحمد ، لما جاءهم بالبينات قالوا : هذا سحر مبين ، وبهذا نرد دعوى أولئك النصارى الذين قالوا : إن الذي بشر به عيسى هو أحمد لا محمد ، فنقول: إن الله قال : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } . ولم يأتكم بعد عيسى إلا محمد ، صلى الله عليه وسلم ، ومحمد هو أحمد ، لكن الله ألهم عيسى أن يسمي محمداً بأحمد لأن أحمد اسم تفضيل من الحمد، فهو أحمد الناس لله، وهو أحمد الخلق في الأوصاف كاملة، فهو عليه الصلاة والسلام أحمد الناس لله ، جعلاً لصيغة التفضيل من باب اسم الفاعل وهو أحمد الناس، بمعنى أحق الناس أن يحمد جعلاً لصيغة التفضيل من باب اسم المفعول ، فهو حامد ومحمود على أكمل صيغة الحمد الدال عليها أحمد . وإني أقول: إن كل من زعم أن في الأرض ديناً يقبله الله سوى دين الإسلام فإنه كافر لا شك في كفره، لأن الله - عز وجل - يقول في كتابه : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ويقول - عز وجل - : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } ، وعلى هذا ـ وأكررها مرة ثالثة ـ على هذا القائل أن يتوب إلى الله - عز وجل - وأن يبين للناس جميعاً أن هؤلاء اليهود والنصارى كفار ، لأن الحجة قد قامت عليهم وبلغتهم الرسالة ولكنهم كفروا عناداً.
ولقد كان اليهود يوصفون بأنهم مغضوب عليهم لأنهم علموا الحق وخالفوه ، وكان النصارى يوصفون بأنهم ضالون لأنهم أرادوا الحق فضلوا عنه ، أما الآن فقد علم الجميع الحق وعرفوه، ولكنهم خالفوه وبذلك استحقوا جميعاً أن يكونوا مغضوباً عليهم ، وإني أدعو هؤلاء اليهود والنصارى إلى أن يؤمنوا بالله ورسله جميعاً وأن يتبعوا محمداً، صلى الله عليه وسلم، لأن هذا هو الذي أمروا به في كتبهم كما قال الله تعالى : {
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }  . وليأخذوا من الأجر بنصيبين، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، : " ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد ، وصلى الله عليه وسلم ". الحديث . ثم إني اطلعت بعد هذا على كلام لصاحب الإقناع في باب حكم المرتد قال فيه  - بعد كلام سبق - : " أولم يكفّر من دان بغير الإسلام كالنصارى ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم فهو كافر".
ونقل عن شيخ الإسلام قوله : " من اعتقد أن الكنائس بيوت الله ، وأن الله يعبد فيها ، وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله ، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه أو أعانهم على فتحها، وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر " . وقال أيضاً في موضع آخر:
" من اعتقد أن زيارة أهل الذمة في كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد ". وهذا يؤيد ماذكرناه في صدر الجواب ، وهذا أمر لا إشكال فيه . والله المستعان .
الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
ص 90 / الحكمة من خلق الحفظة
س : إن الله سبحانه وتعالى قد خلق لنا كراما كاتبين ، يكتبون كل ما نقول ونسمع . فما الحكمة من خلقهم ، مع العلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ولا يخفى عليه ما نُسر وما نعلن ؟
ج : أولا مثل هذه الأمور قد ندرك حكمتها وقد لا ندرك ، فإن كثيراً من الأشياء لا نعلم حكمتها كما قال الله تعالى : {  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا } . فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه ، وجعل الخيل على هذا الوجه ، وجعل الحمير على هذا الوجه ، وجعل الآدمي على هذا الوجه ، وما أشبه ذلك .و لو سألنا عن الحكمة في أن الله عز وجل جعل صلاة الظهر أربعاً ، وصلاة العصر أربعاً ، والمغرب ثلاثاً ، وصلاة العشاء أربعاً . وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعرف الحكمة في ذلك  ، إذ قد يقول قائل : لماذا لم تجعل ثمانية أو ستة ؟ وبهذا علمنا أن كثيراً من الأمور الكونية ، وكثيراً من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها . وإذا كان كذلك فإنا نقول : إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو المشروعة ، إنْ منَّ الله علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وعلم وخير ، وإن لم نصل إليها فإن ذلك لا ينقصنا شيء .
ثم نعود إلى السؤال وهو ما الحكمة في أن الله عز وجل وكل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل ؟
فالحكمة من ذلك بيان أن الله سبحانه وتعالى نظم الأشياء ، وأحكمها إحكاماً متقناً ، حتى إنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين موكلين بهم يكتبون ما يفعلون ، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوا . ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان وكمال حكمه تبارك وتعالى لهذا الكون . والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين

*   *    *
حكم الشهادة لشخص معين بأنه شهيد وحكم من مات غريقًا وهو سكران
س : لقد قرأت حديثاً لأبي هريرة الصحابي الجليل رضي الله عنه عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما تعدون الشهداء فيكم ؟ " قالوا : يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد . قال : " إن شهداء أمتي إذا لقليل " ، قالوا : فمن يا رسول الله ؟ قال : " من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات بالبطن فهو شهيد ، والغريق شهيد " رواه مسلم . فهل من مات غريقاً وهو سكران تكتب له الشهادة علماً بأن الغريق يعد شهيداً حسبما نص الحديث نرجو من فضيلتكم الإفادة ؟ ج : قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه إلى أننا في عصرنا هذا أصبح اسم الشهيد رخيصاً عند كثير من الناس ، حتى كانوا يصفون به من ليس أهلاً لالشهادة ، وهذا أمر محرم فلا يجوز لأحدٍ أن يشهد لشخص بشهادة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة تنقسم إلى قسمين : أحدهما : أن يشهد لشخص معين بأنه شهيد كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فارتج الجبل بهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " ، فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة بعينه شهدنا له بأنه شهيد تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً له في ذلك . والقسم الثاني ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة : أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة على وجه العموم كما في الحديث الذي أشار إليه السائل في إن من قُتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد والغريق شهيد ، إلى غير ذلك من الشهداء الذين ورد الحديث بالشهادة العامة . وهذا القسم لا يجوز أن نطبقه على شخص بعينه وإنما نقول من اتصف بكذا وكذا فهو شهيد ، ولا نخص بذلك رجلا بعينه ، لأن الشهادة بالوصف غير الشهادة بالعين . وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذا في صحيحه فقال : باب لا يقال فلان شهيد ، واستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " والله أعلم بمن يجاهد في سبيله " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " الله أعلم بمن يكلم في سبيله " ، أي يجرح . وساق تحت هذا العنوان الحديث الطويل المشهور في قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة وكان شجاعاً مقداماً لا يدع للعدو شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه . فامتدحه الصحابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ساق البخاري رحمه الله الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار " . وهذا الاستدلال الذي استدل به البخاري - رحمه الله - على الترجمة استدلال واضح . لأن قوله صلى الله عليه وسلم : " الله أعلم بمن يجاهد في سبيله " . يدل على أن الظاهر قد يكون الباطن مخالفاً له والأحكام الأخروية تجرى على الباطن لا على الظاهر . وقصة الرجل التي ساقها البخاري رحمه الله تحت هذا العنوان ظاهرة جداً . فإن الصحابة رضي الله عنهم أثنوا على هذا الرجل بمقتضى ظاهر حاله ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : إنه من أهل النار ، فاتبعه رجل من الصحابة رضي الله عنهم ولزمه فكان آخر عمل هذا الرجل أن قتل نفسه بسيفه . فنحن لا نحكم بالأحكام الأخروية على الناس بظاهر حالهم وإنما نأتي بالنصوص على عمومها والله أعلم هل تنطبق على هذا الرجل الذي اتصف بهذا الوصف ، قيصدق عليه الحكم أولا . وقد ذكر صاحب الفتح " فتح الباري في شرح صحيح البخاري " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب فقال : ( إنكم تقولون في مغازيكم أن فلانا شهيد ومات فلان شهيداً ولعله قد يكون قد ألقته راحلته ، ألا لا تقولوا ذلك ، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد ) . قاله في الفتح وهو حديث حسن وعلى هذا فنحن نشهد بالشهادة على صفة ما جاء بها النص ، إن كان في شخص معين شهدنا بها للشخص الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم .وإن كانت على سبيل العموم ، شهدنا بها على سبيل العموم ، ولا نطبقها على شخص بعينه لأن الأحكام الأخروية تتعلق بالباطن لا بالظاهر . نسأل الله أن يثبتنا جميعاً بالقول الثابت وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا . وبناء على هذا فإن قول السائل لو غرق الإنسان وهو سكران فهل يكون في الشهداء ؟ فإننا نقول لن نشهد لهذا الغريق بعينه أنه شهيد سواء أكان قد شرب الخمر ، وسكر ثم غرق على سكره أم لم يشربها .    ثم إنه بمناسبة ذكر السكر يجب أن نعلم أن شرب الخمر من كبائر الذنوب وأن الواجب على كل مسلم عاقل أن يدعها ، وأن يجتنبها كما أمره بذلك ربه عز وجل ، ومن شربها حتى سكر فإنه يعاقب بالجلد ، فإن عاد جلد مرة أخرى . وإن عاد جلد مرة ثالثة ، فإن عاد في الرابعة فإن من أهل العلم من قال : يقتل لحديث ورد في ذلك ، ومنهم من قال : لا يقتل . وأن الحديث منسوخ ومنهم من فصل كشيخ الإسلام ابن تيمية فقال : إنه يقتل إذا جلد ثلاثاً أو أربعاً ولم ينته .. قال شيخ الإسلام : يقتل إذا لم ينته الناس بدون القتل بمعنى أنه إذا انتشر شرب الخمر في الناس ، ولم ينتهوا عنه بعد تكرر العقوبة عليهم فإن ذلك موجب للقتل .
الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
ص 93 / حكم الاحتفال بالمولد والإسراء والمعراج
س : هناك بعض الناس يقيمون الولائم في يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويستقبلون زوراهم الذين دَعَوهم ، وفي هذا اليوم يقرءون القرآن ، ويقرءون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويدعون أدعية دينية ، ويفعلون مثله في يوم الإسراء والمعراج ، ويتصدقون بالمال والطعام ، فهل هذا الفعل جائز أم حرام ؟
ج : لا شك أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، من الأمور الواجبة على كل مسلم ، بل إنه لا يتم إيمان عبد حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحب إليه من ولده ووالده ونفسه والناس أجمعين . ولا شك أيضا أن محبته وتعظيمه : اتباع شريعته . والتقيد بهديه . وألا يتقدم أحد بين يديه ، وألا يدخل في شَرعه ما ليس منه ، لأن مَن تعبّد الله بما لم يَشرعه الله لعباده وعلى لسان رسوله ، فقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، بالقصور أو التقصير وهذا أمر لا يمكن أن يُقرّه مسلم ، ولذلك حذّر صلى الله عليه وسلم ، من البدع وقال : " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " . وأمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده . ولا ريب أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات ، فإذا شرع تعظيمه على طريق لم تَرد به السنة فإن هذا التعظيم على هذا الوجه يكون بدعة منكرة ، فاتخاذ عيد لمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، بحيث يحتفل به ويتصدق في ذلك اليوم ، وتصنع الولائم وما أشبه ذلك فهذا من البدع بلا ريب . والإنسان المؤمن عليه أن يتمسك بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ففيه الكفاية .أما هذا الشيء المبتدع فقد حذّر منه صلى الله عليه وسلم ، وما حذّر منه فلا خير فيه ، ولو كان فيه خير لكان أولى الناس به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم تحدث بدعة المولد إلا في القرن الرابع الهجري وذلك بعد مُضي القرون الثلاثة المفضلة . ولو كان حقا لسبقونا إليه . وإذا كنت صادقا فعليك بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، ففيها الخير والفلاح ودع عنك يا أخي المسلم مثل هذه الأمور . ومن العجب أن بعض الناس يتمسكون بهذه البدعة تمسكا شديدًا حتى كأنها عندهم من أفرض الفروض وأوجب الواجبات . وتجدهم يتهاونون بأمور كثيرة من السنة التي صحّت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلى المرء أن يتوب إلى الله ويرجع وأن يقول : ( سمعنا وأطعْنا ) . وهكذا نقول عن الإسراء والمعراج فإنه لم يثبت عن الصحابة ولا عن القرون المفضلة أنهم يحتفلون بها ، ولو كان الاحتفال بها من شريعة الله لبيّنه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودعا إليه أصحابه وأمته . ثم إنني أقول لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وُلد في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول أو ليلته ، ولا أن معراجه كان في ليلة سبع وعشرين من رجب ، وإنما ذكر البعض أن مولده كان في اليوم التاسع من ربيع الأول لا في الثاني عشر ، وكذلك المعراج فإن المعروف أنه كان في ربيع الأول ، وهذا أقرب ما يكون فيه ، على أن في ذلك نظرا أيضًا ، ولم يثبت المعراج أنه في رجب ولا رمضان ولا ربيع . فتكون بدعة المعراج والميلاد مبنية على غير أساس .. لا شرعي ولا تاريخي وحينئذ فإن العقل والسمع كلاهما يقتضي عدم إقامة هذه الأعياد . الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
ص 95 / تعليق التمائق محرم ولو من القرآن
س :ما حكم تعليق التمائم ووضعها على الصدر أو تحت الوسادة ؟ مع العلم أن هذه التمائم فيها آيات قرآنية فقط ؟
ج : الصحيح أن تعليق التمائم ولو من القرآن ومن الأحاديث النبوية أنه محرم وذلك لأنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وكل شيء لم يرد عن الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يتخذ سبباً فإنه لاغ غير معتبر . لأن مسبب الأسباب هو الله عز وجل فإذا لم نعلم هذا السبب لا من جهة الشرع ولا من جهة التجارب والحس والواقع فإنه لا يجوز أن نعتقده سبباً فالتمائم على القول الراجح محرمة سواء كانت من القرآن أو من غير القرآن . وإذا أصيب الإنسان بشيء فليتخذ أحداً يقرأ عليه كما كان جبريل عليه السلام يرقي النبي صلى الله عليه وسلم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرقي أصحابه أيضاً . هذا هو المشروع .
الشيخ ابن عثيمين
*    *    *
نعم الجن يخالطون الإنس
س : إذا كتبنا أو تكلمنا عن الجن هل يسمعوننا ؟ وهل هناك دعاء أو استعاذة تقال بعد ذلك ؟
ج : نعم الجن يخالطون الإنس ويسمعون كلامهم، ويتلبسون بالانس إذا تسلطوا كما يدل عليه الواقع ، لكن هناك  أدعية وقراءة آيات وسور تكون سببا لحماية الإنس من شرهم كالمعوذتين وآية الكرسي ونحوها .
الشيخ ابن جبرين
*   *   *
هم من أهل الفترة
س : الكتب السماوية السابقة للقرآن أصابها بعض التحريف ، ثم أتت الأجيال لاحقة فسارت على منهج هذه الكتب دون علم منها لهذا التحريف ، فما أمر هذه الأجيال عند الله تعالى يوم القيامة ؟
ج : هناك قوم تعمّدوا التحريف وأسقطوا بعض العقوبات وغيروا بعضها فهؤلاء عليهم الإثم مرتين لتحريفهم وإضلال من بعدهم ، وهناك آخرون عملوا بها وهم يعلمون التحريف وأقروا ما فيها وهم يعلمون الأصل الصحيح فعليهم إثم العمل بالمحرّف وتعمّد ذلك ، وهناك قوم جَهلة وأميون تلقوا هذه الشرائع وعملوا بها دون أن يبحثوا عن الصحيح والأصل ، فعليهم بعض من الإثم – لكن إن كانوا أميين لا يمكنهم معرفة الصواب – فإثمهم على مَن أضلهم ، وإن كانوا لا يتمكنون من معرفة الحق ولا يجدون مَن يسألونه فلهم أحكام أهل الفترات الذين يختبرون في الآخرة فيظهر من علم الله أنه مؤمن مصدق . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين
*   *   *
ص 96 / هدم القبر المرتفع
س : توفي أخي ، فقام أحد أقاربنا ببناء قبر مرتفع عن سطح الأرض المدفون بها وكتب عليه آيات من القرآن ، ما حكم ذلك ؟ وهل يجوز هدم هذا البناء ؟
ج : ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ، نهى أن يبنى على القبر وأن يجصص عليه وأن يكتب عليه ، وأمر عليًّا رضي الله عنه بقوله : " لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سويته " . أي جعلته كغيره ، ولعل السبب أن ذلك يلفت الأنظار ويسبب الفتنة بصاحب القبر فيعتقد الجهلة أنه قبر ولي أو سيد صالح فيحملهم على التعلق به واتخاذه مسجدًا يصلي عنده ، وقد ورد النهي عن ذلك وإنما ورد رفع القبر عن الأرض بنحو شبر ، ليُعرف أنه قبر فلا يُجلس عليه ولا يوطَأ بالأقدام أو نحو ذلك .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
لماذا نعبد الله ؟
س : نحن طلبة علم كنا في مجلس دَرس وأُثير النقاش سؤال ونصه : " لماذا يُعبد الله سبحانه وتعالى " ؟ فأجاب عليه أحد الجالسين بقوله ( نعبد الله خوفاً من عذابه ورجاء في رحمته ) . وعلّل ذلك بقوله : إن من لوازم العبادة إتيان أوامر الله ورسوله والانتهاء عن نواهي الله ورسوله ، وبهذا يتحقق إفراد الله بالعبادة التي يترتب عليها الجزاء من الله وهو ما نرغبه ونخافه . وأجاب آخر بقوله : ( نعبد الله لذاته ولكونه أمر بذلك ولكونه مستحقًّا للعبادة فقط دون النظر إلى الجنة والنار ، فلو افترض عدم وجود جنة أو نار ألا يعبد الله . ورد القول الأول واعتبره منكرًا ) . فأي الأقوال وافق الصواب ؟ وما الصواب ؟ وهل من آداب العلم والتعلم رد قول بدون دليل ؟ والقول بما يخالفه أيضًا بدون دليل . وما حكم إكثار الجدل والنقاش في مثل هذه الأمور ؟ جزاكم الله خير الجزاء .
ورد في بعض الآثار أن الله تعالى يحضر رجلا في الآخرة عند الحساب فيقول : لماذا عبدتني ؟ فيقول العبد: سمعت بخلق الجنة وما فيها من النعيم المقيم ، فأسهرت ليلي وأتعبت نهاري وأظمأت نفسي طلبا لدخول الجنة وشوقًا إليها ، لأحظى بهذا النعيم والثواب العظيم ، فيقول الله تعالى : هذه الجنة فادخلها فلك ما طلبت وما تمنيت . ثم يحضر رجلا ثانيًا فيسأله : لماذا عبدتني ؟ فيقول : سمعت بخلق النار وما فيها من العذاب والنكال والوبال والأغلال والآلام فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وأتعبت نفسي خوفا من النار وهربا من ألمها وعذابها . فيقول الله تعالى : قد أجرت من النار فادخل الجنة ، ولك ماتتمنى نفسك . ثم يحضر الله رجلا ثالثاً فيقول : لماذا عبدتني ؟ فيقول : عرفت صفاتك وجلالك وكبرياءك ونعمك وآلاءك فتعبدت شوقًا إليك ومحبة لك فأنت المستحق للعبادة والتعظيم لفضلك وإنعامك على الخلق ، ولكمال صفاتك وعظيم جلالك ، فيقول الله تعالى : ها أنذا فانظر إليّ وقد أبحت ثوابي وأعطيتك ما تتمناه . وبالجملة فالكل على حق ولكن الذي يعبد الله لمعرفته بأنه أهل للعبادة ولأداء حقوقه ولأنه أهل التقوى وأهل المغفرة وخالق العبد والمنعم عليه وله المن والفضل والثناء الحسن هو أكثر أجرًا وثوابًا ، والله واسع عليم الشيخ ابن جبرين
*    *     *
ص 97 / لا يجوز وصف الميت بأنه مغفور له أو مرحوم
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، أما بعد : فقد كثر الإعلان في الجرائد عن وفاة بعض الناس ، كما كثر نشر التعازي لأقارب المتوفين ى، وهم يصفون الميت فيها بأنه مغفور له أو مرحوم أو ما أشبه ذلك من كونه من أهل الجنة ، ولا يخفى على كل مَن له إلمام بأمور الإسلام وعقيدته بأن ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا الله وأن عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز أن يشهد لأحد بجنة أو نار إلا من نص عليه القرآن الكريم كأبي لهب أو شهد له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك كالعشرة من الصحابة ونحوهم ، ومثل ذلك في المعنى الشهادة له بأنه مغفور له أو مرحوم، ولذا ينبغي أن يقال بدلا منها : غفر الله له أو رحمه الله أو نحو ذلك من كلمات الدعاء للميت .
وأسأل الله سبحانه أن يهدينا جميعا سواء السبيل . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 98 / بعض الكلمات المشتهرة على ألسنة العوام
س : حفظنا بعض الكلمات عن العامة ونخشى أن يكون الشرك قد أَنْشَب أظفاره فيها . من هذه الكلمات:" ما صدَّقت على الله " ، " الله لا يقوله " ، وما شابهها . فما رأيكم جزاكم الله خيرا ؟.
ج : هذه الكلمات تجري على ألسنة العامة عن غير قصد ولا يعتقدون فيها شيئًا محرما وإنما هي تُتلقى من الصغير عن الكبير ، لكن معناها لا يخلو من انتقاد ، فالأولى البعد عنها فإن في الجملة الأولى نفي التصديق على الله والمؤمن هو المصدق بالله وبكل ما أخبر الله ، فيكفي قوله : ما صدقت أنه يكون كذا أو أنه يجيئ كذا ، ويكون المعنى كدت أن أكذب بحصول هذا الشيء حتى حصل . فأما الجملة الثانية فمعناها التحجر على الله أن لا يقول كذا وكأنهم يعنون نفي الله ، أي عسى أن لا يوقع الله أو يوجد كذا ، فالتعبير بالقول أو التقدير كقولهم : لا قدّّر الله : فيه محذور فلو جعل بدلها دعاء الله أن لا يوقع هذا ولا يحدثه كان أسلم .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
حكم التبرع بالصلاة وغيرها للميت
س : هل يصح التبرع بالصلاة والصيام والقرآن للميت ؟
ج : نعم يصح أن يتبرع الإنسان بالصلاة والصيام والصدقة وقراءة القرآن والذكر وغير ذلك من أنواع القربات للميت بشرط أن يكون مسلمًا ، أما إذا كان كافرًا فإنه لا يجوز أن يتبرع له الإنسان بشيء . مثل أن يموت الإنسان وهو لا يصلي ، فإنه لا يجوز لأهله أن يستغفروا له ولا أن يتبرعوا له بشيء من الأعمال الصالحة . ولكن مع ذلك فإن التبرع بمثل هذه الأعمال ليس بالأمر المستحب ولكنه جائز ، والأفضل أن يدعو له لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " .
الشيخ ابن عثيمين
*    *    *
ص 99 / ليس في الدين قشور
س: ما حكم الشرع فيمن يقول إن حلق اللحية وتقصير الثوب قشور وليست أصولا في الدين ، أو فيمن يضحك ممن فعل هذه الأمور ؟
ج : هذا الكلام خطير ومنكر عظيم ، وليس في الدين قشور بل كله لب وصلاح وإصلاح ، وينقسم إلى أصول وفروع ، ومسألة اللحية وتقصير الثياب من الفروع لا من الأصول . لكن لا يجوز أن يسمى شيء من أمور الدين قشورا ويخشى على من قال مثل هذا الكلام متنقصا ومستهزئا أن يرتد بذلك عن دينه لقول الله سبحانه : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } . الآية . والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب وإحفائها ، فالواجب طاعته وتعظيم أمره ونهيه في جميع الأمور . وقد ذكر أبو محمد ابن حزم إجماع العلماء على أن إعفاء اللحية وقص الشارب أمر مفترض ، ولا شك أن السعادة والنجاة والعزة والكرامة والعاقبة الحميدة في طاعة الله ورسوله ، وأن الهلاك والخسران وسوء العاقبة في معصية الله ورسوله ، وهكذا رفع الملابس فوق الكعبين أمر مفترض لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار  " رواه البخاري في صحيحه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره ، والمنان فيما أعطى ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " ، رواه مسلم في صحيحه . وقال صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء متفق عليه " .
فالواجب على الرجل المسلم أن يتقي الله وأن يرفع ملابسه سواء كانت قميصا أو إزارا أو سراويل أو بشتا وألا تنزل عن الكعبين ، والأفضل أن تكون ما بين نصف الساق إلى الكعب ، وإذا كان الإسبال عن خيلاء كان الإثم أعظم ، وإذا كان عن تساهل لاعن كِبر فهو منكر وصاحبه آثم لكن إثمه دون إثم المتكبر ، ولا شك أن الإسبال وسيلة إلى الكبر وإن زعم صاحبه أنه لم يفعل ذلك تكبرا ، ولأن الوعيد في الأحاديث عام فلا يجوز التساهل بالأمر . وأما قصة الصديق رضي الله عنه وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم : (إنًّ إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده ) فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : " إنك لست ممن يفعله خيلاء " فهذا في حق من كانت حاله مثل حال الصديق في استرخاء الإزار من غير كبر ، وهو مع ذلك يتعاهده ويحرص على ضبطه فأما من أرخى ملابسه متعمدا فهذا يعمه الوعيد وليس مثل الصديق .
وفي إسبال الملابس مع ما تقدم من الوعيد إسراف وتعريض لها للأوساخ والنجاسة ، وتشبه بالنساء وكل ذلك يجب على المسلم أن يصون نفسه عنه . والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل .
الشيخ باز
*    *    *
ص 100 / الرزق تكفل الله به ولكن . . .
س : لقد سمعت من الذين يلبسون ويتخفون برداء الإسلام دعوة تنادي بأن الرزق تكفل به الله سبحانه وتعالى ، وأن من يتقي ويسير في طريق الإسلام الصحيح يأكل من فوقه ومن تحته ويأتيه الرزق من حيث لا يحتسب ، ولكن لماذا يموت الإنسان من جراء الجوع والجفاف في بعض المناطق ؟ أليس هناك تكفّلُ من قبلُ ، مشروط بالطاعة ؟
ج : لا شكَّ أن الله تعالى تكفل بالأرزاق لكل المخلوقات وهيأ لهم أسبابها ، لكنه قد يبتلي العباد – ولو كانوا مؤمنين – للاختبار وإظهار الصبر وضده ، وهو سبحانه قد سهل أسباب الرزق وأعطى الإنسان قوة وقدرة على الاحتراف والتكسب وطلب الرزق ، فإذا لم يستعمل تلك القوة والملكة فقد فرط ، فلا يأمن أن يسلط عليه الجوع والفقر والألم  ، وهكذا قد يسلط الله على البلد بما فيها من الدواب وغيرها فيعذبهم بسبب الذنوب والكفر وترك الواجبات .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
هل الكفر من عند الله ؟
س : نحن نعلم أن كل شيء يحصل في هذه الدنيا من الله سبحانه وتعالى . فهل كذلك الكفر من الله ؟ أم ماذا ؟
ج : يجب الإيمان بأن الله تعالى يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله . وأنه لا يحدث في الدنيا شيء إلا بمشيئة الله وإرادته الكونية القدرية ، فيدخل في ذلك الكفر والإيمان والطاعات والمعاصي ، فإن ما شاء الله كان ولم يشأ لم يكن ، ومع ذلك فإن الله تعالى أعطى العباد قدرة واختيارًا يزاولون بهما الأعمال من خير وشر ، وعليها يثاب المطيع ويعاقب العاصي ..لكن الله سبحانه تفضل على المؤمنين فهداهم وأقبل بقلوبهم إلى طاعته فضلا منه وكرمًا ، وخذل الكافرين وخلَّى بينهم وبين أنفسهم وأهوائهم وأعدائهم عدلا منه حكمة ولا يظلم ربك أحدا ، وعلى هذا فالكفر يحدث بإرادة الله الكونية وبقدرة العبد التي منحه الله إياها ، فيعاقَب عليه لما يملكه من الاختيار والاستطاعة وإن كانت مسبوقة بقدرة الخالق وإرادته . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
ص 10 / موقف الإسلام من الأطباء الشعبيين
س : ما موقف الإسلام من الأطباء الشعبيين ؟
ج : ورد في الحديث : " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ، علَمه من علمه ، وجَهِله من جهله " .  فهؤلاء الأطباء الشعبيون قد عملوا بالتجربة على هذه الأدوية، ورجعوا فيها إلى كتب الطب التي جمعها علماء عارفون بذلك، وهذا فن من فنون العلم الكثيرة، قد تخصص فيه أقوام من عهد النبوة، وقبلها وبعدها، وعرفوا تراكيب الأدوية وخواص كل دواء، وكيفية استعماله، مع اعتقادهم أنها أسباب للشفاء، وأن الله تعالى هو مسبب الأسباب. فعلى هذا لا بأس بتعلم ذلك والعلاج به، وعلى السائل أن يقرأ كتاب : ( الطب النبوي ) لابن القيم ، وللذهبي ، و( الآداب الشرعية ) لابن مفلح ، وكتاب ( تسهيل المنافع ) ، وغيرها .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
حكم شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة
عندنا مسجد بُني ويسمى مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند ، ويأتي الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالاً ونساء . هل هذا مسنون وما نصيحتكم لهؤلاء يا فضيلة الشيخ ؟ .
ج : هذا غير مسنون ، أولاً : لأنه لم يثبت أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – حين بعثه النبي ، صلى الله عليه وسلم،إلى اليمن اختط مسجداً له هناك ، وإذا لم يثبت ذلك فإن دعوى أن هذا المسجد له دعوى بغير بينة ، وكل دعوى بغير بينة فإنها غير مقبولة.
ثانياً : لو ثبت أن معاذ بن جبل اختط مسجداً هناك فإنه لا يشرع إتيانه وشد الرحل إليه ، بل شد الرحل إلى مساجد غير المساجد الثلاثة منهي عنه ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى" .
ثالثاً : أن تخصيص هذا العمل بشهر رجب بدعة أيضاً فإن شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات لا بصوم ولا بصلاة وإنما حكمه حكم الأشهر الحرم الأخرى ، والأشهر الحرم هي : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم . هذه الأشهر التي قال الله – تعالى – عنها في كتابه : {
 إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } ولم يثبت أن شهر رجب خُص من بينها في شيء لا بصيام ولا بقيام ، فإذا خَص الإنسان هذا الشهر بشيء من العبادات من غير أن يثبت ذلك عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان مبتدعاً لقوله ، صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . فنصيحتي لإخوتي هؤلاء الذين يقومون بهذا العمل في الحضور إلى المسجد الذي يزعم أنه مسجد معاذ في اليمن أن لا يتعبوا أنفسهم ويتلفوا أموالهم ويضيعوها في هذا الأمر الذي لا يزيدهم من الله إلا بُعداً ونصيحتي لهم أن يصرفوا همهم إلى ماثبتت مشروعيته في كتاب الله وسنة نبيه  صلى الله عليه وسلم ، وهذا كافٍ للمؤمن .
الشيخ ابن عثيمين
*    *    *
ص 102 / ليس لأحد الاعتراض على الأحكام التي شرعها الله لعباده
س : رجل يقول أن بعض الأحكام الشرعية تحتاج إلى إعادة نظر وأنها بحاجة إلى تعديل لكونها لا تناسب تطور هذا العصر ، مثال ذلك في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين . فما حكم الشرع في مثل من يقول هذا الكلام  ؟
ج : الأحكام التي شرعها الله لعباده وبينها في كتابه الكريم أو على لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم كأحكام المواريث والصلوات الخمس والزكاة والصيام ونحو ذلك مما أوضحه الله لعباده وأجمعت عليه الأمة ليس لأحد الاعتراض عليه ولا تغييره ؛ لأنه تشريع محكم للأمة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى قيام الساعة ، ومن ذلك تفضيل الذكر على الأنثى من الأولاد وأولاد البنين والأخوة للأبوين وللأب؛ لأن الله سبحانه قد أوضحه في كتابه الكريم وأجمع عليه علماء المسلمين ، فالواجب العمل بذلك عن اعتقاد وإيمان ، ومَن زعم أن الأصلح خلافه فهو كافـر ، وهكذا من أجاز مخالفته يعتبر كافرا ؛ لأنه معترض على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى إجماع الأمة ، وعلى ولي الأمر أن يستتيـبه إن كان مسلما ، فإن تاب وإلا وجب قتله كافرا مرتدا عن الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخاري . نسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية من مضلات الفتن ومن مخالفة الشرع المطهر  .
*    *    *
ص 103 / معنى السعادة والشقاوة
س : أريد تفسيرًا واضحًا لمعنى السعادة والشقاوة التي يكتبها الله على الإنسان وهو في بطن أمه ، وكيف يتفق ذلك مع الآية : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى .  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى .  وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى .  وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } .
ج : السعادة والشقاوة التي يكتبها الله سبحانه وتعالى على الإنسان وهو في بطن أمه مكتوبة أيضًا على الإنسان قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة . فإن الله سبحانه وتعالى حينَ خلق القلم قال له : اكتب . قال : ربَّ  وماذا أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن . فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة . ومن ذلك سعادة بني آدم وشقاوتهم . وهذا لا يعارض قول الله عزَّ وجل : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى .  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى .  وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى .  وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } . لأن هذا فعل من العبد يكون سببًا لسعادته أو شقاوته ، فعلى العبد أن يقوم بما أوجب الله عليه من امتثال الأمر واجتناب النهي والتصديق بالخبر ، وأن يدع  ما نهى الله عنه من البخل والاستغناء عن الله عز وجل وتكذيب خبره ، وقد حدّث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ، فقالوا : يارسول الله : إلا أفلا نتكل على الكتابة وندع العمل ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ لما خُلق له " . ثم قرأ هذه الآية .
فإذا وُفق الإنسان واتجه اتجاهاً سليمًا وقام بما أُمر به وترك ما نُهي عنه وصدق بما يجب التصديق به فإنه حينئد يكون ميسّرا لليسرى ، ويكون هذا عنوانًا ودليلاً على أنه من أهل السعادة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أهل السعادة ييسرون لعمل أهل السعادة وأما من كان على العكس فإن ذلك دليل على أنه شقي - والعياذ بالله - ، لأنه يُسر لعمل أهل الشقاوة .
الشيخ ابن عثيمين
*   *   *
ص 104 / عذاب القبر
س: هل عذاب القبر يختص بالروح أم بالبدن ؟
ج: عذاب القبر ثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أما في كتاب الله ، فقد قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } . وفي قوله تعالى في آل فرعون : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } . وأما الأحاديث التي فيها عذاب القبر فهي كثيرة ، ومنها الحديث الذي يعرفه الخاص والعام من المسلمين وهو قول المصلي : أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال . وعذاب القبر في الأصل على الروح وربما تتصل بالبدن أحياناً ولا سيما حين السؤال ، سؤال الإنسان عن ربه ودينه ونبيه حين دفنه ، فإن روحه تُعاد إلى جسده لكنها إعادة برزخية لا تتعلق بالبدن تعلقها به في الدنيا ، ويُسأل الميت عن ربه ودينه ونبيه ، فإذا كان كافراً أو منافقاً فيقول : هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته . فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها الإنسان لصعق .

*    *    *
من ادعى علم الغيب فهو كافر أو ساحر أو طاغوت
س : ما حكم من ادعى الغيب ؟ وما هي أنواع الغيب التي يتشوق الإنسان إلى معرفتها ؟            ج : من ادعى علم الغيب فهو كاهن أو ساحر أو طاغوت فإن الغيب لا يعلمه إلا الله ، لقوله تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ  } . والمراد بالغيب علم ما يكون في الأزمنة القادمة وعلم الآجال والأعمار ونحو ذلك .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
ص 105 / الاضطرابات النفسية لا تعالج بالتمائم
س : هل يجوز لي أن أعلق تميمة حيث أعاني من اضطراب نفسية ؟
ج : لا يجوز تعليق التائم للحديث المذكور وغيره ، وتجوز الرقية بالقرآن والأدعية والأوراد المأثورة وكثرة الذِّكر والأعمال الصالحة والاستعاذة من الشيطان والبعد عن المعاصي وأهلها ، فكل ذلك يجلب الراحة والطمأنينة والحياة السعيدة .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
حكم الحلف بالأمانة
س : القَسَم بـ" أمانة الله" هل يجوز ، وما رأي الشرع فيمن يلعب بالشطرنج والطاولة والدومنو ؟
ج : لا يجوز الحلف بالأمانة ، فقد ورد في الحديث الصحيح عن بريدة عن النبي ، صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف بالأمانة فليس منا ". وأما اللعب بالشطرنج فهو حرام كما نص على ذلك علماء المسلمين ، وأما الطاولة والدومنو فكلاهما من اللهو الذي يصد عن ذكر الله ويضيع وقت المسلم سدى ، والعافل ضنين بوقته عن مثل هذا .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
علاج الخواطر الشيطانية
س : ترد على خاطري أحياناً هواجس وخواطر أخاف أن تخرجني عن ديني ، فماذا أفعل تجاهها ؟ وهل علي إثم في ذلك ؟
ج : هذه الخواطر والأفكار من الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس ليوقع المسلم في الحيرة ، فإذا أحسست بشيء من ذلك فاستعيذي بالله وانتهي عن التفكّير في الأمور الغيبة وأمور الصفات والكون حتى لا يضعف اليقين .
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
ص 106 / الملائكة ودخول البيت
س : هل صحيح أن الملائكة لا تدخل الغرفة التي يوجد على حائطها صور معلقة ؟                         
ج : ورد في الحديث الصحيح أن الملائكة لاتدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ، لكن ورد في بعض الرويات إلا رقماً في ثوب . وثبت أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، دخل على عائشة وقد سترت فُرجة في بيتها بستر فيه صورة فغضب ولم يدخل حتى نزعته وشقت منه وسادة أو سادتين منبوذتين . فاستُدل بذلك على جواز ما كان ممتهناً يوطَأ ويُجلس عليه ، ومنع ما مكن منصوباً أو مرفوعاً على الحائط ونحوه ، وذلك إما أن في هذه الصور مضاهاة لخلق الله تعالى وإما مخافة تعظيمها والغلو فيها ، وإما تعظيم الذين صنعوها ومدحهم بما هو من خصائص الله تعالى .   
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
الدليل على صدق الرسل
س : ما الدليل على صدق الرسول والأنبياء وبأي شيء أيدهم الله ؟
ج : لقد أفام الله الأدلة على صدق الرسل وأيدهم بالمعجزات التي بهرت البشر وعرفوا معها بالصدق والنصح لقومهم ، فأخلاقهم حسنة وأعمالهم صالحة وألسنتهم صادقة وهم أهل الأمانة والديانة وفيهم البِشر وطلاقة الوجه فالله أعلم حيث يجعل رسالته ، فهم خيرة الله من خلقه ، وربك يخلق من يشاء ويختار ، ومن أراد التوسع في ذلك فليقرأ كتب التاريخ والتفسير والسيرة النبوية والمعجزات ودلائل النبوة التي كتبها العلماء وتوسعوا فيها .  
الشيخ ابن جبرين
*    *    *
خلاف الصحابة وحكم لعنهم
س : ما موقف أهل السنة والجماعة حول ما شَجَر بين الصحابة ؟ وما حكم لَعن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ؟
ج : يتوقف أهل السنة عن ما شَجَر بينهم ويقولون : كلهم مجتهد فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر الاجتهاد ويغفر له خطؤه ، فالصحابة قد ورد فضلهم والثناء علهم في الكتاب والسنة .لذلك نرى عدالتهم ونترضّى عنهم ، ونبرأ من الرافضة الذين يسبونهم أو يلعنون بعضهم . فمن طعن في أحد منهم أو ستباح لَعْنه فهو ضالٌّ مضل ، نعوذ بالله من حاله .

الشيخ ابن جبرين
*    *    *
ص 107 / الفرق بين الرسول والنبي
س : هل هناك فرق بين الرسول والنبي ؟
ج : نعم ، فأهل العلم يقولون : إن النبي هو مَن أوحى الله إليه بشرع ولم يأمره بتبليغه بل يعمل به في نفسه دون إلزام بالتبليغ .
والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه والعمل به . فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولاً ، والأنبياء أكثر من الرسل ، وقد قص الله بعض الرسل في القرآن ولم يقصص البعض الآخر .
قال تعالى :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } .
وبناء على هذه الآية يتبين أن كل من ذكر في القرآن من الأنبياء فهو رسول .
الشيخ ابن عثيمين
*    *    *
حكم فك السحر بالسحر
س : لي صديق سُحرت زوجته ولم ينفع معها أي دواء ، فدلَّنا آخر على رجل يعالج السحر بالسحر .. فهل على الرجل إثم لأنه يستخدم السحر في نفع الآخرين ولم يضر به أحدًا ؟ وهل على صديقي إثم لأنه ذهب إلى الساحر لعلاج زوجته مما أصابها ؟
ج : أود أن أبين أن السحر من أكبر المحرمات .


الشيخ ابن عثيمين
*    *    *
ص 108 / مصير أهل الفترة
س : ما هو مصير من عاصروا الفترة ما بعد وفاة رسول الله عيسى عليه السلام وما قبل بعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يعتبرون من أهل الفترة ؟
الصحيح أن أهل الفترة قسمان : القسم الأول : من قامت عليه الحجة وعرف الحق ، لكنه اتبع ما وجد عليه آباءه ، وهذا لا عذر له فيكون من أهل النار .
وأما من لم تقم عليه الحجة فإن أمره لله – عز وجل - . ولا نعلم عن مصيره وهذا ما لم ينص الشرع عليه . أما من ثبت أنه في النار بمقتضى دليل صحيح فهو في النار .
الشيخ ابن عثيمين
*    *    *
حكم الحلف بالشرف والكعبة
س : هل يجوز الحلف بالشرف أو الكعبة ؟
ج : لا يجوز الحلف بغير الله ، بل هو شرك لأن الحلف بالشيء تعظيم له ، ولا يجوز التعظيم لمخلوق . وقد كان الصحابة في أول الإسلام يقولون " والكعبة " فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يقولوا : " ورب الكعبة " ، فأما الشرف والنسب والأب ونحوه فكله حلف بغير الله وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل " . وهو أن تقول : والله حياتك يافلانة وحياتي .. إلخ .. فجعل الحلف بالحياة من الشرك .
الشيخ ابن جبرين

تعليقات