فتاوى اسلاميه


فتاوى إسلامية
لأصحاب الفضيلة العلماء :
      سماحة الشيخ    عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
      فضيلة الشيخ    محمد بن صـالح بن عثيمين
     فضيلة الشيخ    عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين

إضافة إلى اللجنة الدائمة
وقرارات المجمع الفقهي

الجزء الأولــ
إلى نهاية كتاب الصلاة

جمع وترتيب
محمد بن عبدالعزيز المسند



كتاب العقيدة


ص 15 / من يذبح للجن لا يقبل منه عمل حتى يتوب
الحمد لله وبعد : فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على هذا الاستفتاء ونصه " يأتينا مطاوعة في البادية ويقولون : الذي يذبح للجن ماله صلاة ولا حج ، وأنا عندما سمعت منهم هذا الكلام تبت إلى الله أني ما أذبح للجن وقد حججت ويقولون أن حجك باطل فهل حجي باطل ، أم صحيح ؟ فإذا كان باطلاً فسأحج من جديد " ؟ .
- وأجابت بمايلي :
الذبح للجن شرك بالله سبحانه وتعالى ، ولو مات فاعله عليه دون توبة منه لكان خالداً مُخلّداً في النار ، والشرك لا يصحُّ معه عمل ، لقول الله سبحانه : {  وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . ( سورة الأنعام ) . فالحمد لله تعالى أن وفقك للتوبة من هذا الذنب العظيم الذي لا يُقبل معه عمل ، وحُجَّ من جديد ، وإن صدقت توبتك فقد وعد الله التائب بالمغفرة وإبدال سيئاتك حسنات ، لقوله سبحانه : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا  } ( سورة الروم ) .
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة
*   *   *
  حكم من أحل ذبيحة المشرك
 س : مَن أحل ذبيحة المشرك ، وهو يحتج بقول الله تعالى : {  فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } ( سورة الأنعام ) . ويقول إن هذه الآية لا تحتاج إلى تفسير ، ولم يسمع قول أحد هل يكون كافراً ؟
ج : مَن أحل ذبيحة مشرك الشرك الأكبر لذكره اسم الله عليها فهو مخطىء ، لكنه ليس بكافر لوجود الشبهة ولا حجة له في الآية ، لأن عمومها خُصّص بالإجماع على تحريم ذبيحة المشرك ، وعلى من قَوِيَ على البيان وعَلِمَ ذلك منه إرشاده .
   اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 16 / حكم الحج عن المشرك والاستغفار له  
س : شخص لا يصوم ولا يصلي في حياته ، ويذبح للجن والشجر والحجر كأصنام له ، ومات مُصرًّا على ذلك ، هل يجوز لقريبه أن يحج عنه أو أن يستغفر له ؟
ج : من مات على الحالة المذكورة في السؤال ، يعتبر مشركاً شركاً أكبر لا يجوز الحج عنه ولا الاستغفار له ، لقوله سبحانه وتعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } ( سورة التوبة ) . ولما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " استأذنتُ ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي " .                  
اللجنة الدائمة
 *   *   *
معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " كُلهم في النار إلا واحدة " 
س : ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة حيث يقول في حديث : " كلهم في النار إلاواحدة " وما الواحدة ؟ وهل الاثنان والسبعون فرقة كلهم خالدون في النار على حكم المشرك أم لا ؟ وإذا قيل أمة النبي صلى الله عليه وسلم ، هل هذه الأمة تقال لأتباعه وغير الأتباع أو تقال لأتباعه فقط ؟
ج : المراد بالأمة في هذا الحديث أمة الأجابة ، وأنها تنقسم ثلاثاً وسبيعين : اثنتان وسبعون منها منحرفة مبتدعة بدعاً لا تخرج بها من ملة الإسلام ، فتعذب ببدعتها وانحرافها إلا من عفا الله عنه وغفر له ، ومآلها الجنة ، والفرقة الواحدة الناجية هي أهل السنة والجماعة الذين استـنُّوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولزِموا ما كان عليه هو وأصحابه رضي الله عنهم ، وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق ظاهرين لا يَضرُّهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله " . أما من أخرجته بدعته عن الإسلام ، فإنه من أمة الدعوة لا الإجابة ، فيخلد في النار ، وهذا هو الراجح .
وقيل المراد بالأمة في هذا الحديث أمة الدعوة ، وهي عامة تشمل كل من بُعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، مَن آمن منهم ومن كفر ، والمراد بالواحدة أمة الإجابة وهي خاصة بمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إيماناً صادقاً ومات على ذلك ، وهذه هي الفرقة الناجية من النار : إما بلا سابقة عذاب وإما بعد سابقة عذاب ، ومآلها الجنة .
وأما الاثنتان والسبعون فِرقة : فهي ما عدا الفرقة الناجية ، وكلها كافرة مخلدة في النار وبهذا يتبين أن أمة الدعوة أعمُّ من أمة الإجابة ، فكل من كان من أمة الإجابة فهو من أمة الدعوة ، وليس كل من كام من أمة الدعوة من أمة الإجابة .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 17 / معنى الورود في قوله تعالى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا }
س : لقد قرأت آية من سورة مريم وهي الآية ( 71 – 72 ) التي تقول : بسم الله الرحمن الرحيم { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } . أنا أريد أن أعرف معنى هذه الآية الكريمة وخاصة معنى الورود ؟
ج : قد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، على أن المراد بالورود هو المرور عليها فوق الصراط ، وهو منصوب على متن جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها ، والناس يمرون عليه على قدر أعمالهم كما ذكر في الأحاديث .

                                                                                           الشيخ ابن باز
*   *   *
كيف يقوم الناس من قبورهم
 س :كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة ، وكيف يقوم الأ نبياء والأ قطاب والأبدال ؟ ومن
أول مَن يُكسى ؟
ج : يُعيد الله سبحانه خَلقَ الناس يوم القيامة من عجب الذنب ، فينبتون منه خلقاً سوياً كما ينبت الزرع من الحب ، والنخل من النوى ، ثم يخرجون من قبورهم حفاة عراة غُرْلاً ، سراعاً كأنهم جراد منتشر أو فراش مبثوث لا يضلون طريق الموقف ، بل هم أهدى إليه من القَطا ، كأنهم إلى نصب يوفضون ، وأول من تنشق عنه الأرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من يفيق من الصَّعق . أما أول مَن يكسى بعد البعث فخليل الرحمن عليه الصلاة والسلام ، ويشتد الهول بجميع الناس حتى يقول كل نبي يومئذ : نفسي نفسي . ومَن قرأ آيات البعث من سورة القمر والمعارج والقارعة وأمثالها ، تبين له الكثير مما تقدم ، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم محشورون حفاة عُراة غُرلاً " ثم قرأ : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } . وأول من يُكسى يوم القيامة إبراهيم ، وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول أصحابي . فيقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ } إلى آخر قوله : { الْحَكِيمُ } وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من تَنْشق عنه الأرض .. " . الحديث . وفيهما أيضا : " أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق " الحديث .
انظر تحقيق الحديثين في شرح الطحاوية عند كلام الطحاوي في أحوال الناس يوم القيامة .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص  18 / حقيقة التوكل على الله
س : ليس من التوكل على الله أن تَقذف بنفسك في حوض السباحة وأنت لا تعرف العوم ، أو تخاطر بنفسك في حركة رياضية لم تدرَّب عليها ، فما هي حقيقة التوكل على الله ؟ نرجو الإفادة ، مع جزيل الشكر .
ج : التوكل على الله تفويض الأمر إليه تعالى وحده ، وهو واجب بل أصل من أصول الإيمان ، لقوله تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . وهو من الأسباب المعنوية القوية لتحقيق المطلوب وقضاء المصالح . لكن على المؤمن أن يضم إليه ماتيسر له من الأسباب الأخرى سواء كانت من العبادات كالدعاء والصلاة والصدقة وصلة الأرحام ، أم كانت من الماديّات التي جرت سنة الله بترتيب مسبّباتها عليها ، كالأمثلة التي ذكر السائل في استفتائه ونحوها اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه خير المتوكلين ، وكان يأخذ بالإسباب الأخرى المناسبة مع كمال توكله على الله تعالى ، فَمَن ترك الأسباب الخرى مع تيسرها واكتفى بالتوكل فهو مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسمى توكله عجزاً ، لا توكلاً شرعياً وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
حكم افتتاح المساجد بالحفلات والاجتماع لذلك
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
فقد اطّلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصه : ( إذا بُني عندنا مسجد جديد وأريد ابتداء الصلاة فيه دعي الناس من البلدان فيجتمعون لهذا الذي يسمونه افتتاح المسجد ، فما حكم إتيانهم لهذا الغرض ؟ وهل حديث : " لا تُشد الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد " يدل على تحريم ذلك ؟ وإذا كان جائزاً فما الدليل على ذلك ؟ وهل حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ، دعاه بعض الصحابة ليصلي في ناحية من بيته ليتخذها مصلّى .. يدل على جوازه ؟ وكذلك هل يدل عليه مفهوم ما جاء في قصة مسجد الضِّرار بحيث لم يوجّه ربنا نهيه إلى مجرد عزمه على الذهاب ، وإنما نهاه لأن المسجد لم يُبنَ إلا ضراراً وكفراً ؟ إلخ . أفيدونا أفادكم الله ) .
وأجابت بما يلي :
افتتاح المساجد يكون بالصلاة فيها وعمارتها بذكر الله ، من تلاوة قرآن والتسبيح والتحميد والتهليل وتعليم العلوم الشرعية ووسائلها ونحو ذلك مما فيه رفع شأنها ، قال الله تعالى :{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ . رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ .لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . بهذا ونحوه من النصائح والمواعظ والمشورة كان يعمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتبعه في هذا الخلفاء الراشدون وسائر صحابته وأئمة الهدى من بعده رضي الله عنهم ورحمهم ، والخير كل الخير في الاهتداء بهديهم في الوقوف عندما قاموا به في افتتاح المساجد ، وعمارتها بما عمروها به من العبادات ومافي معناها من شعائر الإسلام ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، ولا عمّن اتبعه من أئمة الهدى أنهم افتتحوا مسجداً بالاحتفال وبالدعوة إلى مثل ما يدعو إليه الناس اليوم ، من الاجتماع من البلاد عند تمام بنائه للإشادة به ، ولو كان ذلك مما يُحمد لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إليه ولسنَّه لأمته ولتبعه عليه خلفاؤه الراشدون وأئمة الهدى من بعده ، ولو حصل ذلك لنُقل .
وعلى هذا فلا ينبغي مثل هذه الاحتفالات ، ولا يُستجاب للدعوة إليها ولا يُتعاون على إقامتها بدفع مالٍ أو غيره ، فإن الخير في اتباع من سلَف ، والشر في ابتداع من خلف ، وليس في دعوة بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى بيته ليصلي في مكانٍ منه ركعتين كي يتخذ صاحبه مصلى يصلي فيه ما قدر له من النوافل دليل على ما عُرف اليوم من الاحتفالات لافتتاح المسجد ، فإنه لم يَدْعُه إلى احتفال ، بل لصلاة ، ولم يسافر لأجل تلك الصلاة ، ثم السفر إلى ذلك الاحتفال أو للصلاة في ذلك المسجد داخل في عموم النهي عن شدِّ الرِّحال إلى غير المساجد الثلاثة المعروفة ؛ فينبغي العدول عن تلك العادة المُحْدثة ، والاكتفاء في شؤون المساجد وغيرها بما كان عليه العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتباعه أئمة الهدى رحمهم الله ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 20 / علي رضي الله عنه لا يعين أحدا بعد موته
س : ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا السؤال : هل يُعين علي رضي الله عنه أحداً عند المصائب ؟
ج : قُتل علي رضي الله عنه ولم يَعلم بتدبير قاتله ، ولم يستطع أن يدفع عن نفسه ، فكيف يُدّعى أنه يدفع المصائب عن غيره بعد موته وهو لم يستطع أن يدفعها عن نفسه في حياته ؟ فمن اعتقد أنه أو غيره من الأموات يجلب نفعاً أو يعين عليه أو يكشف ضراً ، فهو مشرك ، لأن ذلك من اختصاص الله سبحانه ، فمَن صَرَفه إلى غيره عقيدةً فيه ، أو استعانة به : فقد اتخذه إلهاً . قال الله تعالى : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .
اللجنة الدائمة
*   *   *
حكم وضع باقة من الزهور على القبر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصه ( وضع باقة من الزهو على قبر الجندي المجهول ، هل ينطبق على ذلك ما ينطبق على عمل الذين عظَّموا أولياءهم وصالحيهم حتى عُبدوا ) . ؟
وأجابت بما يلي :
هذا العمل بدعة وغُلو في الأموات ، وهو شبيه بعمل أولئك في صالحيهم من جهة التعظيم واتخاذ شعار لهم ، ويُخشى منه أن يكون ذريعة على مر الأيام إلى بناء القباب عليهم والتبرك بهم واتخاذهم آلهة مع الله سبحانه ، فالواجب تركه سداًّّ لذريعة الشرك ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
مصير أصحاب الكبائر إذا ماتوا وهم مصرون عليها
س : قال تعالى :{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ] وقال تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
فهؤلاء الذين يرتكبون مثل هذه الكبائر ، ولا يوجد مَن يطبق عليهم الأحكام ، وماتوا وهم غير تائبين ، فما حكم الله فيهم يوم القيامة ؟
ج : عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات من المسلمين . مُصرًّا على كبيرة من كبائر الذنوب كالزنا والقذف والسرقة ، يكون تحت مشيئة الله سبحانه إن شاء الله غفر له ، وإن شاء عذّبه على الكبيرة التي مات مُصرًّا عليها ، ومآله إلى الجنة لقوله سبحانه وتعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } . وللأحاديث الصحيحة المتواترة الدالة على إخراج عصاة الموحدين من النار ، ولحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه المُخرّج في الصحيحين ، وهو نص في الموضوع وهذا لفظه : قال عبادة رضي الله عنه : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أتبايعونني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا ، وقرأ آية النساء – يعني الآية المذكورة – وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية – فمن وفّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له ، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 21 /حكم السجود على المقابر والذبح لها
س : ما حكم السجود على المقابر والذبح لها ؟
ج : السجود على المقابر والذبح عليها وثنية جاهلية وشرك أكبر ، فإن كلًّا منهما عبادة والعبادة لا تكون إلا لله وحده ؛ فمن صرفها لغير الله فهو مشرك . قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } ( سورة الأنعام ، الآيتان : 162 ، 163 ) . وقال تعالى : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } . إلى غير هذا من الآيات الدالة على أن السجود والذبح عبادة ، وأن صرفهما لغير الله شرك ، ولا شكَّ أن قَصْد الإنسان إلى المقابر للسجود عليها أو الذبح عندها ، إنما هو لإعظامها وإجلالها بالسجود والقرابين التي تُذبح أو تُنحر عندها ، وروى مسلم في حديث طويل في باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعْن فاعله ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال فيه : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات : لعن الله من ذبح لغير الله  ، لعن الله من لعن والديه ،  ولعن الله من آوى محدثا ، ولعن الله من غيَّر منار الأرض " ، وروى أبو داود في سننه من طريق ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه – قال : نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " هل كان فيها وَثَن من أوثان الجاهلية يُعْبَد ؟ " قالوا : لا ، فقال : " فهل كان فيه عيدٌ من أعيادهم ؟ " قالوا : لا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوفِ بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله  " . فدل ما ذكر على لعن من ذبح لغير الله ، وعلى تحريم الذبح في مكان يُعظَّم فيه غير الله من وثن أوقبر ، أو كان فيه اجتماع لأهل الجاهلية اعتادوه وإن قصد بذلك وجه الله . وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 22 / حكم الذبح للأموات
الحمد لله وبعد : فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على هذا السؤال ونصه : إن بعض الناس في بلادي يعبدون غير الله سبحانه وتعالى ، ولهم عادة متبعة وموروثة وهي أن كل إنسان يموت عندهم يذبحون له ذبيحة من البقر أو خروفاً أو غير ذلك من بهيمة الأنعام ، ولهم طريق في ذلك . وبعد ذبح الذبيحة توزّع لحومها على بعض المسلمين حولهم ، وفي حالة توزيع اللحوم عليهم يكون جوابهم رفض أخذ هذه اللحوم لأنها حرام ، وعندما سمعوا جواب المسلمين برفض أخذ اللحوم قالوا لهم : خذوا هذه البقرة واذبحوها على طريقتكم وكلوا منها ليكون صدقة على هذا الميت الذي يعبد غير الله سبحانه وتعالى .
فهل يجوز لنا أخذ هذه البقرة وذبحها على الطريقة الإسلامية ، وتوزيع لحومها على المسلمين أم لا يجوز ؟ وهل يعتبر عمل ذلك مشاركة في أفعالهم ؟ جزاكم الله خيراً .
وأجابت بما يلي :
عبادة غير الله كالنذر أو الاستعانة بغير الله من الأموات والغائبين والأشجار ونحو ذلك شرك ، وقد أحسَنَ من رفض أخذ لحوم الأبقار التي ذبحها من يعبد غير الله لموتاهم ، ولا بأس بأخذ ما يدفعه هؤلاء من البقر أو الأبقار الحية ليذبوحها على الطريقة الإسلامية غير متحيّرين لذبحها وقت موت الميت ، وليس في ذلك مشاركة لهم في بدعتهم ، وليس لهم أن يقصدوا بذبحها ولا بتوزيعها الصدقة على الميت ، إذا كان هذا الميت ممن يعبد غير الله . فإن قصدوا ذبحها وقت موته أو السير بجنازته ، لم يجز لما في ذلك من المشاركة لهم في بدعتهم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 23 / حكم كتابة العزائم والحروز والرقى
س : يوجد أناس تكتب العزائم على المرضى والمجانين والمصابين بالأمراض النفسية يكتبون حروزاً معروفة من القرآن والسنة ولا نزكيهم نحن ، فقد نصحناهم وأبوا يقولون : كتاب الله وسنة رسوله ليسا ممنوعين ، ومنهم من يعلّقه على المريض بنفسه وهو غير طاهر كالحائض والنفساء والمجنون والمعتوه والصغير الذي لا يعقل ولا يتطهر ، فهل يجوز ذلك ؟
ج : أذِن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية ما لم تكن شركاً أو كلاماً لا يُفهم معناه ، لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال : كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله كيف نرقي ذلك ؟ فقال : " اعرضوا عليَّ رقاكم  ، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " .
وقد أجمع العلماء على جواز الرقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفاً ، مع اعتقاد أنها سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله تعالى . أما تعليق شيء بالعنق أو ربطه بأي عضو من أعضاء الشخص ، فإن كان من غير القرآن فهو محرم ، بل شرك لما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر ، فقال : " ما هذا ؟ " قال من الواهنة . فقال : " انزعها فإنها لاتزيدك إلا وهناً ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً " . وفي رواية لأحمد أيضاً : " مِن تعلّق تميمة فقد أشرك " . وما رواه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . وإن كان ما علقه من آيات القرآن ، فالصحيح أنه ممنوع أيضاً لثلاثة أمور هي :
1-             عموم أحاديث النهي عن تعليق التمائم ولا مُخصص لها .
2-             سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك .
3-             أن ما عُلَّق من ذلك يكون عرضة للامتهان ، بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء والجماع ونحو ذلك.
وأما كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس ، وغسله بماء أو زعفران أو غيرهما ، وشرب تلك الغسالة ، رجاء بركة أو استفادة علم أو كسب مال أو صحة وعافية ونحو ذلك ، فلم نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله لنفسه أو غيره . ولا أنه أذن فيه لأحد من أصحابه أو رخص فيه لأمته ، مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك ،  وعلى هذا فالأولى تركه وأن يُستغنى عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى ، وما صح من الأذكار والأدعية النبوية ونحوها مما يعرف معناه ولا شائبة للشرك فيه ، وليتقرب إلى الله بما شرع  رجاء للمثوبة وأن يفرج الله كربته ويكشف غمته ويرزقه العلم النافع . ففي ذلك الكفاية ومن استغنى بما شرع الله أغناه الله عما سواه . والله الموفق .
اللجنة الدئمة
*   *   *
ص 24 / الذبح لغير الله شرك أكبر
س : التقرب بذبح الخرفان في أضرحة الأولياء الصالحين ما زال موجودا في عشيرتي . . نَهيتُ عنه لكنهم لم يزدادوا إلا عنادا . قلت لهم : إنه إشراك بالله . قالوا : نحن نعبد الله حق عبادته ، لكن ما ذنبنا إن زرنا أولياءه وقلنا لله في تضرعاتنا : " بحق وليك الصالح فلان . . اشفنا أو أبعد عنا الكرب الفلاني . . " قلت : ليس ديننا دين واسطة . قالوا : اتركنا وحالنا . سؤالي : ما الحل الذي تراه صالحا لعلاج هؤلاء ؟  ماذا أعمل تجاههم . . وكيف أحارب البدعة ؟ وشكرا .
ج : من المعلوم بالأدلة من الكتاب والسنة أن التقرب بالذبح لغير الله من الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات ، شرك بالله ومن أعمال الجاهلية والمشركين . قال الله عز وجل : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } . والنسك هو : الذبح ، بيَّن سبحانه في هذه الآية أن الذبح لغير الله شرك بالله كالصلاة لغير الله . وقال تعالى { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } . أمر الله سبحانه نبيه في هذه السورة الكريمة أن يصلي لربه وينحر خلافا لأهل الشرك الذين يسجدون لغير الله ويذبحون لغيره . وقال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ } قال سبحانه : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } والآيات في هذا المعنى كثيرة . والذبح من العبادة فيجب إخلاصه لله وحده ، وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله من ذبح لغير الله " . وأما قول القائل : أسأل الله بحق أوليائه أو بجاه أوليائه أو بحق النبي أو بجاه النبي  فهذا ليس من الشرك ولكنه بدعة عند جمهور أهل العلم ومن وسائل الشرك ؛ لأن الدعاء عبادة وكيفيته من الأمور التوقيفية ولم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما يدل على شرعية أو إباحة التوسل بحق أو جاه أحد من خلقه ، فلا يجوز للمسلم أن يُحدِث توسلا لم يشرعه الله سبحانه ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته . وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري في صحيحه جازما بها : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " . ومعنى قوله : " فهو رد " أي مردود على صاحبه لا يُقبل . فالواجب على أهل الإسلام التقيد بما شرعه الله والحذر مما أحدثه الناس من البدع . أما التوسل المشروع فهو التوسل بأسماء الله وصفاته وبتوحيده وبالأعمال الصالحات . والإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ونحو ذلك من أعمال البر والخير . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 25 / الرقى المنهي عنها والجائزة
س : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : "إن الرقى والتمائم والتِّولةَ شرك ". وعن جابر رضي الله عنه قال : " كان ليَ خال يرقي من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى ، قال : فأتاه فقال : يا رسول الله ، إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب . فقال : " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ". وما هو الجمع بين أحاديث المنع والجواز في موضوع الرقى ؟ وما حكم تعليق الرقى من القرآن على صدر المبتلى ؟
ج : الرقى المنهي عنها هي الرقى التي فيها شرك أو توسل بغير الله أو ألفاظ مجهولة لا يُعرف معناها . أما الرقى السليمة من ذلك فهي مشروعة ومن أعظم أسباب الشفاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا "، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه " ، خرجهما مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا رقية إلا من عين أو حمة " . ومعناه لا رقية أولى وأشفى من الرقية من هذين الأمرين وقد رَقى النبي صلى الله عليه وسلم ورُقي . أما تعليق الرُّقى على المرضى أو الأطفال ، فذلك لا يجوز . وتسمى الرقى المعلقة ( التمائم ) وتسمى الحروز والجوامع ، والصواب فيها أنها محرمة ، ومن أنواع الشرك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من لبس تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق وَدَعَة فلا وَدَع الله له "، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من تعلق تميمة فقد أشرك "، وقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن أو من الدعوات المباحة هل هي محرمة أم لا .  والصواب تحريمها لوجهين : أحدهما : عموم الأحاديث المذكورة فإنها تعم التمائم من القرآن وغير القرآن . والوجه الثاني : سد ذريعة الشرك ، فإنها إذا أبيحت التمائم من القرآن اختلطت بالتمائم الأخرى واشتبه الأمر وانفتح باب الشرك بتعليق التمائم كلها ، ومعلوم أن سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية ، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 26 / حكم ذبيحة من يعلق التمائم
س : ماحكم ذبيحة من يعلق التميمة من القرآن أو غيره ، ومن يعقد العقد من الخيوط وغيرهما ؟
ج : التمائم جمع تميمة ، وهي ما يعلق من الخَرَز والوَدَع والحُجب في أعناق الصبيان والحيوانات والنساء ونحوهم ، وقد يوضع ذلك في أحزمتهم أو يعلق في شعرهم للحفظ من الشر ، أو دفع ما نزل من الضرر ، وهذا منهي عنه بل هو شرك ، لأن الله هو الذي بيده النفع والضر ، وليس ذلك لأحد سواه ، لما ثبت عن ابن مسعود أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . رواه أحمد وأبو داود ، ولما روى عبدالله بن حكيم مرفوعاً : " من تعلق شيئاً وُكِلَ إليه " . ولما في الصحيحن عن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل رسولاً ألاّ يبقين في رقبة بعير قِلادة من وَتر أو قلادة إلا قُطعت ، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم تعليق الأوتار على الإبل مطلقاً معقودة وغير معقودة وأمر بقطعها ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يشدون الأوتار على الإبل ويضعون القلائد في أعناقها ويعلقون عليها التمائم والعوذ للحفظ من الآفات ودفع العين ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عنها وأنكرها كليًّا حيث أمر بقطعها ، ومَن اعتقد أن للتميمة ونحوها تأثيراً في جلب النفع أو دفع ضر فهو مشرك شركاً أكبر يخرجه من الملة والعياذ بالله ، وذبيحته لا تؤكل ، ومن اعتقد أنها أسباب فقط وأن الله هو النافع الضار وأنه هو الذي يرتب عليها المسببات فهو مشرك شركاً أصغر ، لأنها ليست بأسباب عادية ولا شرعية ، بل وهمية . وقد استثنى بعض العلماء من ذلك ما عُلَّق من القرآن ، فرخص فيه وحصر ما ثبت من أحاديث نهي النبي عن تعليق التمائم على ما كان من غير القرآن . لكن الصحيح أن أحاديث النهي عامة لعدم ورود مخصص لها عنه صلى الله عليه وسلم ، ولسد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك ، كما أنه يفضي إلى امتهان القرآن ، لكن ذبيحة من علق القرآن تُؤكل ، لأنه اعتقد التأثير أو البركة فذلك لا يخرجه من الإسلام ، ولأن القرآن كلام الله تعالى وكلامه صفة من صفاته .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 27 / حكم تعليق التمائم
س‏:‏ هل تعليق التمائم من القرآن وغيره يكفر به الإنسان ؟
ج‏:‏ التمائم التي يعلقها الشخص قسمان‏ : أحدهما‏ :‏ أن تكون من القرآن‏ . والثاني‏ :‏ أن تكون من غير القرآن ‏.‏ فإن كانت من القرآن فقد اختلف فيها السلف على قولين :‏
الأول‏ :‏ لا يجوز تعليقها ، وقال به ابن مسعود وابن عباس ، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم وبه قال جماعة من التابعين ، منهم أصحاب ابن مسعود وقاله أحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه ، وجزم بها المتأخرون وهذا القول مبني على ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏ :‏ " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله : قلت ‏:‏ هذا هو الصحيح ؛ لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل ‏: الأول ‏:‏ عموم الأدلة ولا مخصص لها ‏.‏ الثاني‏:‏ سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك ‏.‏ الثالث‏ :‏ أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حالة قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك ‏.‏ القول الثاني‏ :‏ جواز ذلك ، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو ظاهر ما روي عن عائشة ، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية ، وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك‏ .‏ لعموم حديث : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك  " .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 28 / حكم العلاج عند المشعوذين
س: هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم ، وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي : اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غداً ، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له : إنك مصاب بكذا وكذا ، وعلا جك كذا وكذا ، ويقول أحدهم أنه يستعمل كلام الله في العلاج . فما رأيكم في مثل هؤلاء ، وما حكم الذهاب إليهم ؟
ج: من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن ويدعى علم المغيبات ، فلا يجوز العلاج عنده ، كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس : " من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " أخرجه مسلم في صحيحه .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعرافين والسحرة والنهي عن سؤالهم وتصديقهم ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " . وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى أو الودع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه أو اسم أقاربه ، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم .
الشيخ ابن باز
*   *   *
حكم الحروز والتمائم المجهولة
س : شيخي الفاضل ، لقد وجدت ورقة في طريقي مكتوبة فأردت أن أبعدها عن الطريق حتى لا تدوسها الأقدام فألقيت نظرة فيها لأعرف إذا كان بها قرآن حتى آخذها ، إلا أني وجدت بها هذا النص . أرجو أن تفيدوني عن تفسير كامل له ، وما أصله في الأحكام هل هو حلال أم حرام ؟ ونص العبارة هو :
( يُنقش في خاتم ذهب ، ويُبخر بعود وعنبر ويُلبس على طهارة تامة ، ويديم ذكر اسم الله تعالى على عظيم في دبر كل صلاة ألف ومائة وثلاثون (1130) مرة لمدة أسبوع من بعد صلاة الصبح يوم الجمعة أول الشهر تنتهي يوم الخميس بعد صلاة العشاء ، ثم بعد ذلك يذكر الاسمين بعد كل فريضة بقدر المستطاع ، له من الأسرار ما فيه العجب العجاب - لا يقدر له قيمة ولا تكشف أسرارهما أبدا ، ولا لابنك أو أي شخص آخر حتى لا يعبث بهما في مضرة أو أذى لعباد الله ) .
ج : كل ما ذُكر في السؤال لا يجوز عمله ولا اتخاذه حرزًا أو تميمة ، ولا يجوز العمل بما فيه لأن فيه نقشًا مجهولاً ، وقد يكون متضمنا الشركيات ، ولأنه يشتمل على ذكر غير مشروع موقت بوقت ومحدد بعدد لم يأذن به الشرع ، ومشتمل على الذكر باسمين لم يعرف ما هما ؛ فكل ذلك محرم لا يجوز الإقدام عليه ، ومن تلبس به وجب عليه التخلص منه بترك تلك الأذكار ومحو ما على الخاتم من نقش وترك تبخيره بالعود والعنبر، مع التوبة من ذلك ، ونسأل الله العفو والعافية .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد , وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 29 / العلاج عند المشعوذين والمجهولين لا يجوز
س : بعض الناس إذا أصيب له مريض بالصرع يذهب به إلى بعض الأطباء العرب ، وهؤلاء يستحضرون وتصدر منهم حركات غريبة ، ويحجبون المريض فترة من الزمن ويقولون إنه مصاب بالجن أو مسحور ونحو ذلك ، ويعالج هؤلاء المريض ويشفى وتُدفع لهم الأموال مقابل ذلك ، فما الحكم في ذلك ؟
وما الحكم أيضاً في العلاج بالعزائم التي تكتب فيها الآيات القرآنية ثم توضع في الماء وتشرب ؟
ج : علاج المصروع والمسحور بالآيات القرآنية والأدوية المباحة لا حرج فيه إذا كان ذلك ممن يعرف بالعقيدة الطيبة والالتزام بالأمور الشرعية .
أما العلاج عند الذين يدّعون علم الغيب أو يستحضرون الجن أو أشباههم من المشعوذين أو المجهولين الذين لا تعرف حالهم ولا تعرف كيفية علاجهم ، فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا العلاج عندهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " . أخرجه مسلم في صحيحه . وقوله صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " . أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيد ، ولأحاديث أخرى في هذا الباب كلها تدل على تحريم سؤال العرافين والكهنة وتصديقهم ، وهم الذين يدعون علم الغيب أو يستعينون بالجن ، أو يوجد من أعمالهم وتصرفاتهم ما يدل على ذلك ، وفيهم وأشباههم ورد الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال :" هي من عمل الشيطان " . وفسر العلماء هذه النشرة بأنها ما كان يُعمل في الجاهلية من حل السحر بمثله ، ويلتحق بذلك كل علاج يستعان فيه بالكهنة والعرافين وأصحاب الكذب والشعوذة .
وبذلك يُعلم أن العلاج لجميع الأمراض وأنواع الصرع وغيره إنما يجوز بالطرق الشرعية والوسائل المباحة ، ومنها القراءة على المريض ، والنفث عليه بالآيات والدعوات الشرعية لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " . وقوله صلى الله عليه وسلم :" عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام " ، أما كتابة الآيات والأدعية الشرعية بالزعفران في صحن نظيف أو أوراق نظيفة ثم يغسل فيشربه المريض فلا حرج في ذلك ، وقد فعله كثير من سلف الأمة كما أوضح ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وغيره ، إذا كان القائم بذلك من المعروفين بالخير والاستقامة . وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 30 / حكم التداوي بالقرآن
س : ما حكم التداوي بالقرآن ، والتراقي به واتخاذ المعوذات والتمائم ؟
ج : يجوز التداوي بالقرآن ؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال : انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها ، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يُضيفوهم ، فلُدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض الشيء ، فأتوهم فقالوا : يا أيها الرهط ، إن سيدنا لُدغ ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء ، فهل عند أحد منكم من شيء ، فقال بعضهم : نعم ، والله إني لأرقي ، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جعلا ، فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ : " الحمد لله رب العالمين " فكأنما نشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبه . قال: فوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقتسموا ، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا ، فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك ، فقال : " وما يدريك أنها رقية " ، ثم قال : "  لقد أصبتم ، اقتسموا واضربوا لي معكم سهمًا " .
فهذا الحديث يدل على مشروعية التداوي بالقرآن . أما اتخاذ التمائم منه فذلك لا يجوز في أصح قولي العلماء . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد , وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 31 / كتاب الحصن الحصين وحرز الجوشن ونحوها
س : بالنسبة للرقي والتميمة إذا كان من القرآن ما حكمه ، وما الحكم لو حملت معي كتاب [ الحصن الحصين ] أو كتاب [ حرز الجوشن ] أو [ السبع العقود السليمانية ] فهل صحيح ما ذكر في هذه الكتب من أنها تنفع في دفع العين والحسد... إلخ ؟ يقولون : إن بها آيات قرآنية فقط مثل المعوذات وآية الكرسي ، فهل قراءتها تنفع فقط دون حمل هذه الكتب ؟ .
ج : تجوز الرقى بالقرآن وبالأذكار وكل ما لا شرك فيه ولا محظور من الأدعية ، أما كتابة التمائم واتخاذها حرزاً فقد صار منا فتوى مفصلة في ذلك .
أماكتاب [الحصن الحصين] و [حرز الجوشن] و [السبعة العقود] فاتخاذها حروزا لا يجوز ، أما قراءة آية الكرسي عند النوم فنافعة ، وقراءة  قل هو الله أحد والمعوذتين فنافعة أيضا .
اللجنة الدائمة
*   *   *
حكم الصلاة في المساجد التي بها قبور ، وكيف يرد على من احتج بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد :
فقد اطلعلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصه : " أبعث إليك هذه الرسالة لأسألكم عن لصلاة في مسجد فيه قبر ، ويقول بعض العلماء : لا تجوز الصلاة فيه ، إن لم يكن في البلد مسجد غيره فتصلي في بيتك خير لك ثوابًا من أن تصلي في ذلك المسجد الذي فيه قبر ، ويقول بعضهم : تجوز الصلاة فيه ؛ لأن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم موجود في مسجده وصاحبيه أبي بكر وعمر ، وأني لم أجد دليلاً على هذين القولين ولذلك أرسلت هذه الرسالة لأستفهم منك عن الحقيقة والدليل ؛ لأني أسكن في الريف في السنغال وليس في بلدنا إلا مسجد واحد ، وهذا المسجد فيه أربعة قبور ثلاثة قبور في خارج المسجد ولكنها مُلصقة ببناء المسجد القِبلي تماماً ، أما الأخير فهو في داخل المسجد تماماً . إذاً عليك أن تعلمني الحقيقة والدليل ، وأنا لا أعرف شيئا من هذا الأمر ولذلك سألتك ; لقوله تعالى في كتابه العزيز: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأجابت بما يلي :
ج: أولا : لا يجوز بناء المساجد على القبور ، ولا تجوز الصلاة في مسجد بُني على قبر أو قبور ; لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها ، فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ، ولولا ذلك أبرز قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا . رواه البخاري ومسلم وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول : " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " رواه مسلم .
 فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور ، ولعن من فعل ذلك فدل على أنه من الكبائر، وأيضا بناء المساجد على القبور والصلاة فيها غلو في الدين ، وذريعة إلى الشرك والعياذ بالله ; ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: ( يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ) .
ثانيا: إذا بُني المسجد على قبر أو قبور وجب هدمه ؛ لأنه أُسس على خلاف ما شرع الله ، والإبقاء عليه مع الصلاة فيه إصرار على الإثم في بنائه وزيادة غلو في الدين ، وفي تعظيم من بني عليه المسجد وذلك مما يفضي إلى الشرك والعياذ بالله ، وقد قال تعالى: [ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ  ] . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو " أما إذا بني المسجد على غير قبر ثم دفن فيه ميت فلا يهدم ، ولكن ينبش قبر من دفن فيه ويدفن في خارجه في مقبرة المسلمين؛ لأن دفنه بالمسجد منكر فيزال بإخراجه منه.
ثالثًا : المسجد النبوي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على تقوى من الله تعالى ورضوان منه سبحانه ، ولم يقبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، بل قُبر في حجرة عائشة رضي الله عنها، ولما مات أبو بكر رضي الله عنه دفن معه في الحجرة ثم مات عمر رضي الله عنه فدفن معه أيضا في الحجرة ، ولم تكن الحجرة في المسجد النبوي وإنما أدخلت بعد زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، وعلى هذا فالصلاة فيه مشروعة ، بل خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، بخلاف غيره مما قد بُني على قبر أو قبور أو دفن فيه ميت فالصلاة فيها محرمة .
رابعًا : ليس لك أن تصلي الفريضة في بيتك ، بل عليك أن تصليها جماعة مع بعض إخوانك في غير المسجد الذي بني على قبر ولو في الفضاء ، وعليكم أن تؤسسوا مسجدًا على ما شرع الله ؛ لتؤدوا فيه الصلوات الخمس ؛ عملاً بنصوص الشرع ، وبُعدًا عما نهى الله عنه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد , وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق
س : كثيرًا ما نسمع أن الساعة لا تقوم حتى يعم الإسلام الأرض ، ونسمع من جهة ثانية أنها لا تقوم ويبقى من يقول : لا إله إلا الله في الأرض , فكيف نوفق بين هذين القولين ؟
ج :كلا القولين صحيح فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فيقتل الدجال ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويفيض المال ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف ويُهلك الله سبحانه في زمانه الأديان كلها إلا الإسلام وتكون السجدة لله وحده ، وهذا واضح في أن الإسلام في عهد عيسى عليه الصلاة والسلام يَسود في الأرض كلها ولا يبقى معه دين آخر . وتواترت عنه صلى الله عليه وسلم الأحاديث بأن الساعة لا تقوم إلا على شِرار الخَلق وأن الله سبحانه وتعالى يرسل ريحا طيبة بعد موت عيسى عليه الصلاة والسلام ، وبعد طلوع الشمس من مغربها ، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة إلا الأشرار ، فعليهم تقوم الساعة .
*   *   *
34 / هل دفن إسماعيل في الحطيم
س : يروى في كتاب السير أن إسماعيل عليه السلام دُفن في الحطيم ( بمكة المكرمة ) ، إذا كان القبر في الحطيم ، فكيف تجوز الصلاة في ذلك المكان ؟
ج : ما قيل من أن إسماعيل عليه السلام مدفون في الحطيم غير صحيح ، فلا يعول عليه بحال . وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
الجكمة في إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصاحبيه في المسجد النبوي
س : من المعلوم أنه لا يجوز دفن الأموات في المساجد ، وأيما مسجد فيه قبر لا تجوز الصلاة فيه ، فما الحكمة من إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته في المسجد النبوي ؟
ج : قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "  . متفق على صحته . وثبت عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصُّور ، فقال صلى الله عليه وسلم " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئكِ شِرار الخلق عند الله  " متفق عليه ، وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " . وروى مسلم أيضا عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يُجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يُبنى عليه ، فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم اتخاذ المساجد على القبور ، ولَعْن من فعل ذلك ، كما تدل على تحريم البناء على القبور واتخاذ القباب عليها وتجصيصها ، لأن ذلك من أسباب الشرك بها وعبادة سكانها من دون الله كما قد وقع ذلك قديمًا وحديثًا ، فالواجب على المسلمين - أينما كانوا - أن يحذروا مما نهى  الله عنه ورسوله من البناء على القبور ، واتخاذ المساجد والقباب عليها وتجصيصها وتنويرها ، وغير ذلك مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يغتروا بما فعله كثير من الناس ، فإن الحق هو ضالة المؤمن متى وجدها أخذها ، والحق يُعرف بالدليل من الكتاب والسنة لا بآراء الناس وأعمالهم ، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله عنهما لم يُدفنوا في المسجد وإنما دُفنوا في بيت عائشة ، ولكن لما وُسِّع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك أدخل الحجرة في المسجد في آخر القرن الأول ، ولا يُعتبر عمله هنا في حكم الدفن في المسجد . لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لم يُنقلوا إلى أرض المسجد وإنما أُدخلت الحجرة التي هم بها في المسجد من أجل التوسعة ، فلا يكون في ذلك حجة لأحد على جواز البناء على القبور أو اتخاذ المساجد عليها أو الدفن فيها ، لما ذكرته آنفًا من الأحاديث الصحيحة المانعة من ذلك ، وعمل الوليد ليس فيه حجة على ما يخالف السنة الثابتة عن رسول الله ، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز
*   *   *
معنى قوله " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره .."الخ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ، وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام ، ونصه : ( ما معنى قوله تعالى في الحديث القدسي ) وإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يُبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ؟
وأجابت بما يلي :
إذا أدى المسلم ما فرض الله عليه .. ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الظاعات واستمر على ذلك ما وسعه ، أحبَّه الله تعالى ، وكان عوناً له في كل ما يأتي ويذر ، فإذا سمع كان مسددا من الله في سمعه ، فلا يستمع إلا إلى الخير ولا يقبل إلا الحق وينزاح عنه الباطل ، وإذا أبصر بعينه أو قلبه أبصر بنور من الله ، فكان في ذلك على هدى من الله وبصيرة نافذة بتأييد الله وتوفيقه . فيرى الحق حقّا والباطل باطلاً ، وإذا بطش بشيء بقوة من الله فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق ، وإذا مشى كان مشيه في طاعة الله طلباً للعلم ، وجهاداً في سبيل الله ، وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه .
وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم ، ويُرشد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى : ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وماجاء في بعض الروايات من قوله : فبي يسمع ويُبصر .. الخ . ففي ذلك إرشاد إلى المراد من أول الحديث ، وتصريح بسائل ومسؤول ومستعيذ ومُعيذ .. وهذا الحديث نظير الحديث القدسي الآخر ( يقول الله تعالى : عبدي مرضتُ فلم تَعُدني الخ .. ) فكل منها يشرح آخره أوله ، ولكن أرباب الهوى يتبعون ماتشابه من النصوص ، ويعرضون عن المُحْكَم منها ، فضلوا سواء السبيل . وبالله التوفيق . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 36 / حكم قراءة الفاتحة على القبر للميت
س : هل يجوز قراءة الفاتحة أو شيء من القرآن للميت عند زيارة قبره ، وهل ينفعه ذلك ؟
ج : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزور القبور، ويدعو للأموات بأدعية علَّمها أصحابه ، وتعلموها منه ، من ذلك : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة من القرآن أو آيات منه للأموات مع تكرار زيارته لقبورهم ، ولو كان ذلك مشروعاً لفعله ، وبينه لأصحابه ؛ رغبةً في الثواب ، ورحمةً بالأمة ، وأداءً لواجب البلاغ ، فإنه كما وصفه تعالى بقوله : {  لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ، فلما لم يفعل ذلك مع وجود أسبابه دل على أنه غير مشروع ، وقد عرف ذلك أصحابه رضي الله عنهم فاقتفوا أثره ، واكتفوا بالعبرة والدعاء للأموات عند زيارتهم ، ولم يثبت عنهم أنهم قرأوا قرآناً للأموات ، فكانت القراءة لهم بدعة محدثة ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد .
اللجنة الدائمة
*   *   *
الهندوسية والبوذية والسيخ هل هي أديان ؟
س : عرض التلفزيون مساء الجمعة 4 صفر هـ برنامج العالم الفطري ، وكانت الحلقة عن الهند وفي مستهل مقدمته قال : حقًّا أن الهند تسنى بلاد الأديان ، ففيه نجد الهندوسة ، البوذية، السيخ .. إلخ فأرجو منكم إيضاح الآتي :
* هل الأديان التي ذكرها مقدم البرنامج كما يدعي حقا أديان ؟
*وهل هي مُنزلة ومُرسلة من عند الله ؟
ج : كل ما يدين به الناس ويتعبدون به يسمى دينا ، وإن كان باطلا كالبوذية والوثنية واليهودية والهندوسية والنصرانية وغيرها من الأديان الباطلة . قال الله سبحانه في سورة الكافرون : [ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ] فسمى ما عليه عبَّاد الأوثان دينا ، والدين الحق هو الإسلام وحده ، كما قال الله عز وجل :[ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ] وقال تعالى : [ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ] وقال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا } والإسلام هو عبادة الله وحده دون كل ما سواه ، وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون وليس شيء من الأديان الباطلة منزلا من عند الله ولا مرضيا له ، بل كلها محدثة غير منزلة من عند الله والإسلام هو دين الرسل جميعا ، وإنما اختلفت شرائعهم لقوله تعالى : [ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ] .
الشيخ ابن باز
*   *   *
ص 37 / الوقوف تحية لموتى الحكام
س : عند ما يموت حاكم أو رئيس ، يقف بعض رجال الهيئات الرسمية حزناً على المقتول . وعندما يموت رئيس نظام عربي تُغلق بعض الدول الإسلامية أسواقها ، وتنكس أعلامها أياماً . فهل يجوز هذا ، علماً أن النياحة على الميت غير جائزة وهذا شر منها ؟
ج : أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى إجابة عن سؤال مماثل جاء فيها : ( ما يفعله بعض الناس من الوقوف زمناً مع الصمت تحية للشهداء ، أو الوجها ء، أو تشريفاً وتكريماً لأرواحهم ، وتنكيس الأعلام من المنكرات والبدع المحدثة التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه ولا السلف الصالح ، ولا تتفق مع آداب التوحيد ، ولا إخلاص التعظيم لله ، بل اتبع فيها بعض جهلة المسلمين بدينهم من ابتدعها من الكفار ، وقلدوهم في عاداتهم القبيحة، وغلوهم في رؤسائهم ووجهائهم أحياءً وأمواتاً ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم ، والذي عرف في الإسلام من حقوق أهله الدعاء لأموات المسلمين ، والصدقة عنهم ، وذكر محاسنهم والكف عن مساويهم.. إلى كثير من الآداب التي بينها الإسلام وحث المسلم على مراعاتها مع إخوانه أحياءً وأمواتاً ، وليس منها الوقوف حداداً مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء ، بل هذا مما تأباه أصول الإسلام .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 38 / الصدقة عن الميت مشروعة
س : ما هو الثواب والأجر الذي يعود على الميت من الصدقة عنه ؟ فمثلاً : هل الصدقة عن الميت تزيد في أعماله الحسنة ؟
ج : الصدقة عن الميت من الأمور المشروعة ، وسواء كانت هذه الصدقة مالًا أودعاءً ، فقد روى مسلم في الصحيح ، والبخاري في الأدب المفرد ، وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ‏إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ‏:‏ صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له‏ " ، فهذا الحديث يدل بعمومه على أن ثواب الصدقة يصل إلى الميت ولم يفصل النبي  صلى الله عليه وسلم  بين ما إذا كانت بوصية منه أو بدون وصية، فيكون الحديث عامًا في الحالتين ، وذِكْر الولد فقط في الدعاء للميت لا مفهوم له بدليل الأحاديث الكثيرة الثابتة في مشروعية الدعاء للأموات ، كما في الصلاة عليهم ، وعند زيارة القبور ،  فلا فرق أن تكون من قريب أو بعيد عن الميت .
اللجنة الدائمة
*   *   *
لا للتبرك بالقبور
س : أيحل لنا القيام أو الجلوس عند القبر من أجل الدعاء للميت ؟
ج : الزيارة الشرعية للقبور أن يقصد إليها للعظة والاعتبار ، وتذكر الموت ، لا للتبرك بمن قُبر فيها من الصالحين ، فإذا جاءها سلم على من فيها فقال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، وإن شاء دعا للأموات بغير ذلك من الأدعية المأثورة . ولا يدعو الأموات، ولا يستغيث بهم في كشف ضر أو جلب نفع ، فإن الدعاء عبادة ، فيجب التوجه بها إلى الله وحده ، ولا بأس أن يقف عند القبر أو يجلس من أجل الدعاء للميت ، لا للتبرك أو الاستراحة فإن القبور ليست بموضع استراحة أو سكنى حتى يجلس فيها . ويشرع الوقوف على القبر بعد الدفن للدعاء للميت بالثبات والمغفرة؛ لما ثبت أن صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من الدفن وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يُسأل .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 39 / حكم التماثيل المجسمة للزينة وحكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم
س 1 : ما حكم التماثيل التي توضع في المنازل للزينة فقط وليس لعبادتها ؟
س 2 : بعض الناس يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبأولادهم ، بدون قصد لكن ألسنتهم اعتادت على ذلك ، فهل هم محاسبون على ذلك ؟
جـ 1 : لا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل ولا في المكاتب ولا في المجالس ، لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على تحريم تعليق الصور وإقامة التماثيل في البيوت وغيرها ، لأن ذلك وسيلة للشرك بالله ، ولأن في ذلك مضاهاة لخلق الله وتشبها بأعداء الله ، ولما في تعليق الحيوانات المحنطة من إضاعة المال والتشبه بأعداء الله وفتح الباب لتعليق التماثيل المصورة وقد جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى الشرك أو المعاصي وبالله التوفيق . 
الشيخ ابن باز
جـ 2 : لا يجوز لأحد أن يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بغيره من المخلوقين .. بل ذلك من المحرمات الشركية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت " . متفق على صحته .. وقوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " . أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح ، ولأحاديث أخرى وردت في ذلك .
وقد حكى الإمام ابن عبد البر رحمه الله إجماع أهل العلم على أن الحلف بغير الله لا يجوز .. فالواجب على المسلم أن يَحْذر وأن يتوب إلى الله مما سلف منه في ذلك وسائر المعاصي ، وأن يستقيم على الحق ويحافظ عليه رغبةً فيما عند الله من الخير والأجر ، وحذراً من غضبه وعقابه .. وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 40 / هل نصدق أن الطب يعرف ما في الأرحام ؟
س : ( في عدد العربي – 205 ص 15 – التاريخ ديسمر 1975م في سؤال وجواب ثبت أنَّ الرجل هو الذي يحدد نوع الجنين ) ، فما موقف الدين من هذا ، وهل يعلم الغيب أحد غير الله ؟ .
ج : أولاً إن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يُصوّر الحمل في الأرجام كيف يشاء ، فيجعله ذكراً أو أنثى ، كاملاً أو ناقصاً ، إلى غير ذلك من أحوال الجنين ، وليس ذلك إلى أحد سوى الله سبحانه ، قال تعالى : [ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ] . وقال تعالى : [ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ] . فأخبر سبحانه أنه وحده الذي له ملك السموات والأرض ، وأنه الذي يخلق ما يشاء فيُصوّر الحمل في الأرحام كيف يشاء من ذكورة وأنوثة ، وعلى أي حال شاء من نقصان أو تمام ومن حسن وجمال أو قبح ودمامة إلى عير ذلك من أحوال الجنين ليس ذلك إلى غيره ولا إلى شريك معه . ودعوى أن زوجاً أو دكتوراً أو فيلسوفاً يقوى على أن يحدد نوع الجنين دعوى كاذبة ، وليس إلى الزوج ومن في حكمه أكثر من أن يتحرى بجماعه زمن الإخصاب رجاء الحمل ، وقد يتم له ما أراد بتقدير الله وقد يختلف ما أراد إما لنقص في السبب ، أو لوجود مانع من صديد أو عقم أو ابتلاء من الله لعبده . وذلك أن الأسباب لا تؤثر بنفسها وإنما تؤثر بتقدير الله أن يرتب عليها مسبباتها . والتلقيح أمر كوني ليس إلى المكلَّف عنه أكثر من فعله بإذن الله . وأما تصريفه وتكييفه وتسخيره وتدبيره بترتيب المسببات عليه فهو إلى الله وحده لا شريك له . ومَن تدبر أحوال الناس وأقوالهم وأعمالهم تبين له منهم المبالغة في الدعاوى والافتراء في الأقوال والأفعال ، جهلاً منهم وغلوًا في اعتبار العلوم الحديثة ، وتجاوزًا للحد في الاعتداء بالأسباب ، ومَن قدر الأمور قدرها ، ميّز بين ماهو من اختصاص الله منها ، وما جعله  الله إلى المخلوق بتقدير منه لذلك سبحانه .
اللجنة الدائمة
*   *   *
ص 41 / عدد الأنبياء والمرسلين وعدد الكتب السماوية
س : كم عدد الأنبياء والمرسلين ؟ وهل عدم الإيمان ببعضهم ( لجهلنا بهم ) يعتبر كفراً ؟ وكم عدد الكتب السماوية المنزلة ؟ وهل هناك تفاوت في عدد الكتب بين نبي وآخر ؟ ولماذا ؟
ج : ورد في عدة أحاديث أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، وأن عدد الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، كما ورد أيضاً أن عددهم ثمانية آلاف نبي . والأحاديث في ذلك مذكورة في كتاب ابن كثير تفسير القرآن العظيم ، في آخر سورة النساء على قوله تعالى : [ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ ] . ولكن الأحاديث في الباب لا تخلو من ضعف على كثرتها والأوْلى في ذلك التوقف ، والواجب على المسلم الإيمان بمن سمى الله ورسوله منهم بالتفصيل ، والإيمان بالبقية إجمالاً ؛ فقد ذم الله اليهود على التفريق بينهم بقوله تعالى : [ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ] . فنحن نؤمن بكل نبي وكل رسول أرسله الله في زمن من الأزمان ، ولكن شريعته لأهل زمانه وكتابه لأمته وقومه ، فأما عدد الكتب فورد في الحديث الطويل عن أبي ذر أن عدد الكتب مائة كتاب وأربعة كتب ، كما ذكره ابن كثير في التفسير عند الآية المذكورة ، ولكن الله أعلم بصحة ذلك ، وقد ذكر الله التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى ، فنؤمن بذلك ونؤمن بأن لله كتباً كثيرة لا نحيط بها علماً ، ويكفي أن نصدق بها إجمالاً . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

تعليقات