الحرز من الشيطان بما ورد في القران والسنة الصحيحة

الحرز من الشيطان بما ورد في القران والسنة الصحيحة
-
خطبة الشيخ حسين آل الشيخ وفقه الله
ألقيت الخطبة في المسجد النبوي بتاريخ 16/11/1429 هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الأحد الصمد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد .. فياأيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فمن اتقاه وقاه وأسعده ولا أشقاه .
أيها المسلمون الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ؛ فكل شر في العالم فهو السبب فيه والمحرض عليه ، وإن من أعظم صفات الشيطان وأشدها شراً وأقواها تأثيراً وأعمها فساداً الوسوسة ..
القلب يكون فارغاً من الشر والمعاصي؛ فيوسوس الشيطان إلى العبد بالذنب ويصوره له ويزينه فيصير شهوة حينئذ..
فالمؤمن في جهاد مع الشيطان وحزبه .. ربنا - جل وعلا - يقول : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ فاطر 6 ، وقال : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ يس 60 ..
ولذاك فهو يبعث في ذلك جنوده ويبعث معهم مدداً وعوناً؛ فإن فتروا حركهم وإن ضعفوا أزعجهم.. يزينون للعباد الكفر والشرك والبدع والمعاصي : أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً مريم 83 ؛ أي تزعجهم إلى مخالفة أمر الله - جل وعلا- إزعاجاً .. كلما فتروا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم .
إخوة الإسلام.. أصل كل بلاء ومعصية إنما هو من وسوسة الشيطان التي هي أصل شره ؛ ولهذا أنزل الله - جل وعلا - سورة كاملة تحدثنا عن هذا الوضع قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ الناس 1 – 5 ..
فالشيطان يزين للعباد المعصية ويلقيها في قلوبهم ، ثم يجتهد في كشف ستر صاحبها وفضيحته وإذاعته .. يقول ابن القيم - رحمه الله -: " الرب يستر عبده، والشيطان يجتهد في كشف سره وفضيحته؛ فيغتر العبد حينئذ ويقول: هذا ذنب لم يره إلا الله - جل وعلا - ولم يشعر بأن عدوه ساع في فضيحته، وقل من يتفطن من الناس لهذه الدقيقة ).. انتهى كلامه المتين..
ربنا جل وعلا يخبرنا عن ذلك فيقول حكاية عن إبليس اللعين : قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ الأعراف 15 – 16 .
إخوة الإسلام.. وإذا كان هذا شأن الشيطان وهمته فإن الخلاص منه لا يكون إلا بمعونة الله - جل وعلا - وتأييده وإعانته؛ فعلى العبد أن يحقق التقوى وأن ينفذ أوامر الله - جل وعلا - ونهيه في عباده..
ربنا - جل وعلا- قال : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ النحل 98- 100..
ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - يخبرنا بقاعدة النجاة فيقول : " أحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده تجاهك " ..
وعلى العبد أن يجرد التوبة إلى الله - جل وعلا- من الذنوب التي تسلط عليه الشرور والآلام ، وعليه أن يقبل على الله - جل وعلا- فإن سبيل النجاة بالإقبال على الله والإخلاص له وجعل محبته ومرضاته في كل خواطر نفسه وأمانيها ومشتهياتها .. يقول الله - تعالى - حكاية عن عدوه إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص 82- 83 .
إن السبب الأقوى لدفع شرور الشيطان أن يعتمد العبد على الله - جل وعلا - وأن يتوكل عليه ، وأن يفوض أمره إليه ؛ فمن توكل على الله كفاه ووقاه من كل ما يؤذيه وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ الطلاق 3 .
إخوة الإسلام.. ويعتصم العبد من الشيطان ويستدفع شروره ويحترز من أضراره بأسباب مفصلة :
أحدها : الاستعاذة بالله من الشيطان وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأعراف 200 .
الاستعاذة هي : الالتجاء إلى الله - جل وعلا - والاعتصام به والتحرز بجنابه من الشيطان ؛ فهو - سبحانه - الذي يعصم عباده ويمنعهم من شرور الشيطان وكيده .
الثاني: قراءة سورة (الفلق) و(الناس)؛ ففي الحديث عن عقبة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون ؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) " .. رواه مسلم.. وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقراءتهما ) و(آية الكرسي) في دبر كل صلاة..
كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر عبد الله بن حبيب - رضي الله عنه - أن يقرأهما مع سورة (الإخلاص) ثلاث مرات حين يمسي وحين يصبح ؛ فإنها تكفيه من كل شيء ، والحديث رواه الترمذي .. وهو حسن صحيح ، وفي الصحيحين : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ (قل هو الله أحد) و(قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) ، ثم يمسح بها وجهه وما بلغت يداه من جسده .. يفعل ذلك ثلاثة " .
الثالث : قراءة آية الكرسي ؛ وهي قٌوله تعالى اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ البقرة 255 ..
ففي صحيح البخاري معلقاً مجزوماً به في قصة أبي هريرة مع الذي كان يحثوا من طعام الصدقة ..
وفي القصة قال لأبي هريرة : " إذا أويت إلى فراشك فاقرأ (آية الكرسي) ؛ فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فأخبر أبو هريرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : صدقك وهو كذوب .. ذلك شيطان " .
الرابع : قراءة (سورة البقرة) ..
ففي صحيح مسلم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، وإن البيت الذي تقرأ فيه (سورة البقرة) لا يدخله الشيطان " ..
وفي حديث رواه مسلم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اقرءوا (سورة البقرة) ؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة " .. قال معاوية بلغني أن البطلة هم السحرة " .
الخامس : قراءة الآيتين من آخر (سورة البقرة) ..
ففي الصحيحين : " من قرأ بهما في ليلة كفتاه " ؛ أي كفتاه من كل ما يؤذيه ويضره ..
وفي حديث آخر - حسنه الترمذي وصححه جماعة - : " فلا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان " .
السادس من الأسباب - وهو حرز عظيم النفع جليل الفائدة - : المحافظة على الأذكار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ..
ففي الصحيحين أنه قال : " من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك " ..
إنه حديث عظيم .. أن تحافظ أيها المسلم على هذا الذكر في صبيحة كل يوم مائة مرة فتفوز بهذا الأجر العظيم وبهذه الفوائد العظيمة..
ومن ذلك أيضا : أن يحافظ العبد على الأذكار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها : المحافظة على الدعاء الوارد حينما يدخل بيته وحينما يريد أن يأكل طعامه من التسمية والحمد في آخر الطعام .

تعليقات